تنقية المياه[1] هي عملية إزالة الملوثات من المياه الخام. والهدف من ذلك هو إنتاج المياه لغرض محدد للاستهلاك البشري (مياه الشرب). تنقية المياه يمكن أيضا أن تصمم لمختلف الأغراض الأخرى، بما فيها لتلبية الاحتياجات الطبية، الصيدلة، المواد الكيميائية والتطبيقات الصناعية. وتشمل أساليب تنقية المياه ولا تقتصر على استخدام: الأشعة فوق البنفسجية للتطهير، و الترشيح لإزالة العوالق، وإزالة عسر الماء، وتطبيق التناضح العكسي في تحلية مياه البحر.
تنقية المياه قد تزيل: جسيمات الرمل، جزيئات المواد العضوية، الطفيليات، البكتريا، الطحالب، الفيروس، الفطريات، إلخ ومن المعادن الكالسيوم، والسليكا، والمغنيسيوم، إلخ والمعادن السامة (الرصاص، والنحاس والكروم، إلخ) قد تكون بعض تنقية المياه انتخابي تزيل في عملية التطهير، بما فيها رائحة (كبريتيد الهيدروجين) والذوق (استخراج المعادن)، والمظهر (الحديد).
عادة ما تملي الحكومات معايير لنوعية مياه الشرب وتتطلب هذه المعايير الحد الأدنى / الأقصى من مجموعة نقاط من الملوثات وإدراج عناصر التحكم التي تنتج مياه الشرب. معايير الجودة في العديد من البلدان تتطلب كميات محددة من المطهر (مثل الكلور أو الأوزون) في المياه بعد أن يغادر محطة معالجة المياه، للحد من خطر إعادة تلوث المياه في نظام التوزيع.
كان وباء الهيضة من أوائل الأمراض التي اكتشفت ارتباطها الوثيق بتلوث مياه الشرب حيث أصيب حوالي 17000 شخص من سكان مدينة هامبورغ الألمانية بوباء الكوليرا خلال صيف 1829م أدى إلى وفاة ما لا يقل عن نصف ذلك العدد. وتبين أن المصدر الرئيس للوباء هو تلوث مصدر المياه لتلك المدينة.[2]
يعد التطهير باستخدام الكلور من أوائل العمليات التي استخدمت لمعالجة المياه بعد عملية الترشيح وذلك للقضاء على بعض الكائنات الدقيقة من بكتيريا وفيروسات مما أدى إلى الحد من انتشار العديد من الأمراض التي تنقلها المياه مثل الهيضة (الكوليرا) وحمى التيفويد. وتشمل المعالجة، ومن هذه العمليات ما يستخدم لإزالة عسر الماء مثل عمليات التيسير، أو لإزالة العكر مثل عمليات الترويب.[2]
من أهم وسائل معالجة المياه بالوقت الحالي بأسلوب صديق للبيئة هو استخدام الأمواج فوق الصوتية (بالإنجليزية: Ultrasound) وهي أجهزة تعطي أمواج فوق صوتية يتم بثها عبر المياه بترددات تفوق إمكانية سمع الإنسان لها وتقوم هذه الأمواج بقتل الإشنيات والطحالب والسيانو بكتيريا في المياه والتي تسبب الكثير من الأمراض للإنسان بالإضافة إلى رائحتها الكريهة وبالتالي يتم الحد من استخدام الكلور بالمياه بنسبة تصل إلى أكثر من 60%. كما يستفاد من الأمواج فوق الصوتية في بحيرات ومزارع الأسماك لنفس المهمة وبالتالي يبقى الماء نظيفا مليئا بالأوكسجين وخالقا بيئة صحية لتنمو فيها الأسماك بشكل أفضل.
تقنية المكافحة بالأمواج فوق الصوتية تلقى دعما عالميا وخاصة في دول الاتحاد الأوروبي التي تمنح مستخدميه قروضا ومعونات مالية لاستخدامه في الأحواض المائية (تنقية مياه، مسابح، مزارع، محطات تبريد المياه) وبالتالي التخلص من الإشنيات والبيوفيلم وتقليل نسب المواد الكيميائية المستخدمة سابقا.
مصادر المياه
المياه الجوفية: يعود جزء من المياه الجوفية العميقة لأمطار سقطت منذ عشرات أو مئات أو آلاف السنين. تصفي طبقات التربة والصخور بطبيعة الحال المياه الجوفية ولا تتطلب في كثير من الأحيان أي معالجة إضافية إلى جانب إضافة الكلور أو الكلورامين كمطهرات ثانوية. قد تكون هذه المياه على شكل ينابيع أو ينابيع ارتوازية أو قد تستخرج من الآبار. تكون المياه الجوفية العميقة ذات جودة بكتيرية عالية جدًا (بمعنى أن البكتيريا المسببة للأمراض أو البروتوزوا الممرضة غائبة عادةً)، ولكن قد تكون المياه غنية بالمواد الصلبة الذائبة خاصة كربونات وكبريتات الكالسيوم والمغنيسيوم. اعتمادًا على الطبقات التي يتدفق من خلالها الماء، قد توجد أيونات أخرى أيضًا بما في ذلك الكلوريد والبيكربونات. قد يتطلب الأمر أحيانًا تقليل محتوى الماء من الحديد أو المنغنيز لجعلها قابلة للشرب والطبخ والغسيل، قد تحتاج أيضًا إلى التطهير الأولي. تتطلب المياه الجوفية معالجة إضافية وفقًا للوائح الفيدرالية المعمول بها في الولاية في حال القيام بتغذية المياه الجوفية (عملية يُضاف فيها مياه النهر إلى المياه الجوفية لتخزين المياه في أوقات الوفرة بحيث تكون متاحة في أوقات الجفاف).
بحيرات وخزانات المرتفعات: يُقصَد بهذه عادةً منابع شبكات الأنهار، وهي عادة ما تكون مستودعات مائية موجودة فوق أي سكن بشري ومحاطة بمنطقة واقية للحد من التلوث. تكون مستويات البكتيريا والعوامل الممرضة منخفضة عادةً، لكن بعض البكتيريا أو البروتوزوا أو الطحالب ستكون موجودة. يمكن للأحماض الدبالية تلوين المياه عندما تكون المرتفعات غنية بالغابات أو التربة الخثية. تحتوي العديد من مصادر المرتفعات المائية على درجة حموضة منخفضة تتطلب التعديل.
الأنهار والقنوات وخزانات الأراضي المنخفضة: تحتوي مياه السطوح الأرضية المنخفضة حمولة بكتيرية كبيرة، وقد تحتوي أيضًا على الطحالب والمواد الصلبة العالقة ومجموعة متنوعة من المكونات الذائبة.
توليد مياه الغلاف الجوي عبارة عن تقنية جديدة يمكنها توفير مياه شرب عالية الجودة من خلال استخراج المياه من الهواء عن طريق تبريد الهواء وبالتالي تكثيف بخار الماء.
يمكن استخدام حصاد مياه الأمطار أو جمع الضباب الذي يجمع المياه من الغلاف الجوي خاصة في المناطق التي تملك فصول شديدة الجفاف، وفي المناطق التي تعاني من الضباب حتى في حال قلة الأمطار.
تحلية مياه البحر بالتقطير أو التناضح العكسي.
المياه السطحية: تُسمَّى مسطحات المياه العذبة المفتوحة للغلاف الجوي التي لا تُصنَّف كمياه جوفية بالمياه السطحية.
نبذة تاريخية
*&* صورة: جهاز تحليل كيميائي لدراسة المياه المعدنية في كتاب من عام 1799. *&*
أُجريت التجارب الأولى في ترشيح المياه في القرن السابع عشر. حاول السير فرانسيس بيكون تحلية مياه البحر بتمريرها عبر مرشح من الرمل. باءت تجربته بالفشل، ولكنها مثّلت بداية اهتمام جديد في هذا المجال. استخدم أبوا الفحص المجهري أنتوني فإن ليوينهويك وروبرت هوك المجهر الذي اخترعاه حديثًا وقتها لفحص الجسيمات الصغيرة العالقة في الماء، ما وضع أساس الفهم المستقبلي لمسببات الأمراض المنقولة عن طريق المياه.
معالجة المياه
لقد كان وباء الكوليرا من أوائل الأمراض التي اكتشفت ارتباطها الوثيق بتلوث مياه الشرب في المرحلة السابقة لتطور تقنيات معالجة المياه، فعلى سبيل المثال أُصيب حوالي 17000 شخص من سكان مدينة هامبورغ الألمانية بهذا الوباء خلال صيف 1829م أدى إلى وفاة ما لا يقل عن نصف ذلك العدد. وقد ثبت بما لا يدعُ مجالا للشك أن المصدر الرئيس للوباء هو تلوث مصدر المياه لتلك المدينة. يعد التطهير باستخدام الكلور من أوائل العمليات التي استخدمت لمعالجة المياه بعد عملية الترشيح وذلك للقضاء على بعض الكائنات الدقيقة من بكتيريا وفيروسات مما أدى إلى الحد من انتشار العديد من الأمراض التي تنقلها المياه مثل الكوليرا وحمى التيفويد. وتشمل المعالجة، ومن هذه العمليات ما يستخدم لإزالة عسر الماء مثل عمليات التيسير، أو لإزالة العكر مثل عمليات الترويب.
ونظرا للتقدم الصناعي والتقني الذي يشهد هذا العصر وما تبعه من ازدياد سريع في معدلات استهلاك المياه الطبيعية.
النقية نوعا ما، ونظرا لما يحدث من تلوث لبعض تلك المصادر نتيجة المخلفات الصناعية ومياه الصرف الصحي وبعض الحوادث البيئية الأخرى فإن عمليات المعالجة قد بدأت تأخذ مسارا جديدا يختلف في كثير من تطبيقات عن مسار المعالجة التقليدية. وفي هذه المقالة سنستعرض بإيجاز طرق المعاجلة التقليدية لمياه الشرب إضافة لبعض الاتجاهات الحالية والمستقبلية لتقنيات المعالجة.
طرق المعالجة التقليدية
تختلف عمليات معالجة مياه الشرب باختلاف مصادر تلك المياه ونوعيتها والمواصفات الموضوعة لها. ويجب الإشارة إلى أن التغير المستمر لمواصفات المياه يؤدي أيضا في كثير من الأحيان إلى تغير في عمليات المعالجة. حيث أن المواصفات يتم تحديثها دوما نتيجة التغير المستمر للحد الأعلى لتركيز بعض محتويات المياه وإضافة محتويات جديدة إلى قائمة الموصفات. ويأتي ذلك نتيجة للعديد من العوامل مثل :
التطور في تقنيات تحليل المياه وتقنيات المعالجة.
اكتشاف محتويات جديدة لم تكن موجودة في المياه التقليدية أو كانت موجودة ولكن لم يتم الانتباه إلى وجودها أو مدى معرفة خطورتها في السابق.
اكتشاف بعض المشكلات التي تسببها بعض المحتويات الموجودة أصلا في الماء أو التي نتجت عن بعض عمليات المعالجة التقليدية. هذا ويمكن تناول عمليات المعالجة التقليدية المستخدمة للمياه استنادا إلى مصادرها السطحية والجوفية مع التركيز على المياه الجوفية نظرا لاعتماد المملكة عليها مقارنة بالمياه السطحية.
معالجة المياه السطحية
تحتوي المياه السطحية (المياه الجارية على السطح) على نسبة قليلة من الأملاح مقارنة بالمياه الجوفية التي يحتوي بعضها على نسب عالية من الاملاح، وهي بذلك بعد مياه يسرة (غير عسرة) حيث تهدف عمليات معالجتها بصورة عامة إلى إزالة المواد العالقة التي تسبب ارتفاعا في العكر وتغيرا في اللون والرائحة، وعليه يمكن القول أن معظم طرق معالجة هذا النوع من المياه اقتصر على عمليات الترسيب والترشيح والتطهير. وتتكون المواد العالقة من مواد عضوية وطينية، كما يحتوي على بعض الكائنات الدقيقة مثل الطحالب والبكتيريا. ونظرا لصغر حجم هذه المكونات وكبر مساحتها السطحية مقارنة بوزنها فإنها تبقي معلقة في الماء ولا تترسب. إضافة إلى ذلك فإن خوصها السطحية والكيميائية باستخدام عمليات الترويب الطريقة الرئيسية لمعالجة المياه السطحية، حيث تستخدم بعض المواد الكيمائية لتقوم بإخلال اتزان المواد العالقة وتهيئة الظروف الملائمة لترسيبها وإزالتها من أحواض الترسيب.ويتبع عملية الترسيب عملية ترشيح باستخدام مرشحات رملية لإزالة ما تبقى من الرواسب، ومن المكروبات المشهورة كبريتات الألمنيوم وكلوريد الحد يديك، وهناك بعض المكروبات المساعدة مثل بعض البوليمرات العضوية والبنتونايت والسليكا المنشطة. ويمكن أيضا استخدام الكربون المنشط لإزالة العديد من المركبات العضوية التي تسبب تغيرا في طعم ورائحة المياه. تتبع عمليتي الترسيب والترشيح عملية التطهير التي تسبق إرسال تلك المياه إلى المستهلك.
معالجة المياه الجوفية
تعد مياه الآبار من أنقى مصادر المياه الطبيعية التي يعتمد عليها الكثير من سكان العالم. إلا أن بعض مياه الآبار وخصوصا العميقة منها قد تحتاج ألى عمليات معالجة متقدمة وباهظة التكاليف قد تخرج عن نطاق المعالجة هي إضافة الكلور لتطهير المياه ثم ضخها إلى شبكة التوزيع، إذ تعد عملية التطهير كعملية وحيدة لمعالجة مياه بعض الآبار النقية جدا والتي تفي بجميع مواصفات المياه، إلا أن هذه النوعية من المياه هي الأقل وجودا في الوقت الحاضر، لذلك فأنه إضافة لعملية التطهير فان غالبية المياه الجوفية تحتاج إلى معالجة فيزيائية وكيمائية إما لإزالة بعض الغازات الذائبة مثل ثاني أكسيد الكربون وكبريتيد الهيدروجين، أو لإزالة بعض المعادن مثل الحديد والمغنيز والمعادن المسببة لعسر الماء، وتتم إزالة الغازات الذائبة باستخدام. عملية التهوية والتي تقوم أيضا بإزالة جزء من الحديد والمنغنيز عن طريق الأكسدة، وقد يكون الغرض من التهوية مجرد كما يحدث لبعض مياه الآبار العميقة التي تكون حرارتها عالية مما يستدعي تبريدها حفاظا على كفاءة عمليات المعالجة الأخرى. أما إزالة معادن الحديد والمنغنيز فتتم بكفاءة في عمليات الأكسدة الكيمائية باستخدام الكلور أو برمنجنات البوتاسيوم.
ان الطابع العام لمعالجة المياه الجوفية هو إزالة العسر بطريقة الترسيب، ويتكون عسر الماء بصورة رئيسة من مركبات الكالسيوم والماغنسيوم الذائبة في الماء. ويأتي الاهتمام بعسر الماء نتيجة لتأثيره السلبي على فاعلية الصابون ومواد التنظيف الأخرى، بإضافة إلى تكوين بعض الرواسب في الغلايات وأنابيب نقل المياه ويوضح الشكل (1) تسلسل العمليات في محطة تقليدية تعالج مياه جوفية تحتوي على نسب عالية من عسر الماء. تعتمد المملكة اعتماد كبيرا على المياه الجوفية لاستخدامها في الأغراض المختلفة، الأمر الذي ساهم في انتشار محطات معالجة المياه الجوفية في ربوعها المختلفة. وفيما يلي استعراض موجز للعمليات المختلفة المياه الجوفية في هذا النوع من المحطات.
التيسير (إزالة العسر) بالترسيب
تعني عملية التيسير أو إزالة العسر للمياه (water softening) إزالة مركبات عنصري الكالسيوم والماغنسيوم المسببة للعسر عن طريق الترسيب الكيمائي. وتتم هذه العملية في محطات المياه بإضافة الجير المطفأ (هيدروكسيد الكالسيوم) إلى الماء بكميات محدودة حيث تحدث تفاعلات كيمائية معينة تتشكل عنها رواسب من كربونات الكالسيوم وهيدروكسيد الماغنسيوم. وقد يتم اللجوء في كثير من الأحيان إلى إضافة رماد الصودا (كربونات الصوديوم) مع الجير للتعامل مع بعض صور العسر. وتشمل عملية التيسير على حوض صغير الحجم نسبيا تتم فيه إضافة المواد الكيمائية حيث تخلط مع الماء الداخل خلطا سريعا لتوزيعها في
الماء بانتظام، ثم ينقل الماء إلى حوض كبير الحجم ليبقي فيه زمنا كافيا لإكمال التفاعلات الكيمائية وتكوين الرواسب حيث يخلط الماء في هذه الحالة خلطا بطيا يكفي فقط لتجميع والتصادق حبيبات الرواسب وتهيئتها للترسيب في المرحلة التالية، شكل (2).
الترسيب
تعد عملية الترسيب من أوائل العمليات التي استخدامها الإنسان في معالجة المياه. وتستخدم هذه العملية لإزالة المواد العالقة والقابلة للترسيب أو لإزالة الرواسب الناتجة عن عمليات المعالجة الكيمائية مثل التيسير والترويب. وتعتمد المرسبات في أبسط صورها على فعل الجاذبية حيث تزال الرواسب تحت تأثير وزنها.
(3)مقطع في حوض ترسيب دائري
(4)مقطع في مرسب الدفن العلوي
تتكون المرسبات غالبا من أحواض خرسانية دائرية أو مستطيلة الشكل تحتوي على مدخل ومخرج للمياه يتم تصميميها بطريقة ملائمة لإزالة أكبر كمية ممكنة من الرواسب، حيث تؤخذ في الاعتبار الخواص الهيدروليكية لحركة الماء داخل الخوض. ومن الملامح الرئيسة لحوض الترسيب احتوائه على نظام لجمع الرواسب (الحمأة) وجرفها إلى بيارة في قاع الحوض حيث يتم سحبها والتخلص منها بواسطة مضخات خاصة. ويوضح الشكل (3) مقطعا في حوض ترسيب دائري. ويمكن دمج عمليات إضافة المواد الكيمائية والخلط البطيء والترسيب في حوض واحد يسمى مرسب الدفق العلوي شكل (4).