تلقى تعليمه في قبيلة أحمر، وفي حدود سنة 1892 ظهرت نجابة هذا الأمير في العلوم الفقهية والحديثية والأدبية، حتى عُدَّ عالماً وشاعراً ناظماً مقتدراً. إثر وفاة والده سنة 1894 وبيعة أخيه الأصغر عبد العزيز، تم تكليفه بمهام إدارية وعسكرية فإن ذلك لم يشغله عن متابعة اهتمامه بالميدان الثقافي تحصيلاً ومشاركة وتأليفا. فلما تولى الخلافة عن أخيه في مراكش سنة 1901، كان يحرص على مجالسة العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء وعلى مطارحة المعارف معهم، وخاصة علماء الصحراء، وعلى رأسهم الشيخ ماء العينين الذي أجاز عبد الحفيظ إجازة عامة سنة 1904.
الضغوط الأوروبية
رأت نخبة من العلماء والمفكرين أن في الإصلاحات التي أتت بها وثيقة الخزيرات افتئاتا على السيادة الوطنية، وعارضت من جهة أخرى تسلل فرنسا من جهة الشرق. وبرز أبو الفيض الكتاني، أحد علماء جامعة القرويين، بالدعوة إلى رفض «شروط الخزيرات» واستعادة ما اقتطعته فرنسا انطلاقا من الجزائر التي كانت قد احتلتها سنة 1830.
وجمع السلطان عبد العزيز «مجلس الأعيان» لإبداء الرأي. وكان الكتاني ومن معه يرون أن موقف السلطان يكون أقوى إذا كان مستندا إلى ممثلي الشعب، إذ هكذا تسير الأمور في الأمم الغربية نفسها.
وكان السلطان عبد العزيز قد أرسل شقيقه مولاي عمر لمراكش مدعوما بعدة قبائل ليحل محل المولى عبد الحفيظ، الذي كان يشغل منصب خليفة مراكش، فاستطاع عبد الحفيظ صد هذه المحاولة.
انتفض الشعب ضد «الشروط»، وتجاوب مع دعوة شقيق السلطان المعارض والناقم لموقف السلطان، عبد الحفيظ بن الحسن، فحل عبد الحفيظ محله في العرش في يونيو سنة 1908، بعد أن التزم ببيعة مشروطة هي في حد ذاتها وثيقة تبين كيف أن المغرب قد بدأ القرن العشرين بحركة تصحيحية. وقاد هذا الانقلاب القائد المدني الكلاوي. وفي نوفمبر من تلك السنة نشر مشروع للدستور كان يمكن أن يكون الطريق إلى إنشاء دولة عصرية قادرة على أن تلحق المغرب بركب القرن العشرين وتصون الاستقلال الوطني، لو لا تدخل القوى المستعمرة وإبعاد السلطان للنخبة المفكرة عن السلطة.
التنازل
لم يسع السلطان الجديد أن يصمد أمام ضغط الخارج. فكلفت دول مجموعة الخوزيرات سفير فرنسا بطنجة، التي كانت مقرا للخارجية لإبعاد السفراء الأجانب عما يجري في العاصمة فاس، داخل المغرب المريض، بأن يخاطب السلطان بصرامة في شأن الإصلاحات المتفق عليها في ما بين الدول.[2]
وفي سنة 1907 أنشئ بمقتضى اتفاق الخوزيرات بنك الدولة. ثم تم تعيين مهندس فرنسي يساعده مهندس إسباني للإشراف على الأشغال الكبرى (طرق، جسور، موانئ) وأقيمت شرطة نظامية في ثمانية موانئ (حيث يوجد أوربيون) وأحدثت ضرائب جديدة لتنظيم مالية الدولة، وتم تنظيم الجمرك، واستمر الضغط من أجل «الإصلاح».
قام شخص مغامر ينتحل شخصية شقيق للسلطان بالمطالبة بالعرش (بوحمارة). وكانت كل عملية من هذه تؤدي إلى مزيد من الضغط الأجنبي في شكل قصف مدن ساحلية أو احتلال (وجدة) أو إنزال قوات (الدار البيضاء) مما كان يزيد من حدة الأزمة والانتقاص من السيادة الوطنية، وجعل نفوذ السلطان ليس أكثر من نفوذ شكلي.[2]
في أول عدد من النسخة العربية للجريدة الرسمية للمملكة المغربية، الصادرة في 1 فبراير 1913، هيمن على صفحتها الأولى خبر عزل مولاي عبد الحفيظ وتعيين مولاي يوسف سلطانا على المغرب، وذلك تحت عنوان «كيفية نصر الجلالة الشريفة مولاي يوسف أعزه الله». رابطة ذلك «بالانحراف الصحي» للسلطان المخلوع:
«لما كان سيدنا أمير المؤمنين مولانا عبد الحفيظ أحس من نفسه عدم القدرة بمملكة الأمة المغربية لما طرأ عليه من الانحراف الصحي الذي أوجب له لزوم الراحة للمعالجة الذاتية اختار تنازله عن الملك اختيارا منه وذلك بكتاب أصدره معلنا فيه بالتنازل الكلي عن كرسي المملكة للأسباب المشار لها»
من دون أي إشارة إلى أن أهل الحل والعقد كانوا قد نزعوا بيعتهم المشروطة لمولاي عبد الحفيظ الذي أصبحت القبائل تسميه بسلطان النصارى بعد توقيعه على معاهدة الحماية.[3]
مولاي عبد الحفيظ المؤلف
خلف عبد الحفيظ عدد كبير من المؤلفات في ميادين الشعر والسياسة والتاريخ واللغة والشريعة والشريعة. ومن مؤلفاته «كشف القناع عن اعتقاد الابتداع»، و«داء العطب قديم»، و«إعلام الأفاضل والأكابر بما يقاسيه الفقير الصابر» وهي رسالة ردّ فيها على الذين اتهموه بالتطلع للملك سنة 1906، وكتاب «براءة المته») الذي كشف فيه كيف أن الكثيرين من النخبة المغربية التي يعتمد عليها، قد احتمت بالفرنسيين وساعدتهم. كما أشار في هذا الكتاب، إلى دور بوحمارة التخريبي واقتراضات مولاي عبد العزيز التي أسرعت بالبلاد إلى الوقوع بين أيدي الفرنسيين، كما برأ نفسه في هذا الكتاب من توقيع عقد الحماية، مبيناً أنه أجبر على وضع خط يده على الوثيقة التي قدمت له. وله
كتاب السبك العجيب وهو نظم لمغني اللبيب عن كتب الأعاريب.
ويذكر أحمد السكيرج أنه أعار لتلميذه السلطان جملة من الكتب إبان منفاه بالعاصمة الفرنسية باريس، فبقيت عنده إلى حين وفاته،[4] لتضيع في تركة عبد الحفيظ. وللسلطان المخلوع قصيدة من ستين بيتا في كتابه براءة المتهم، يصف فيها حيرته من الأمر الواقع:
«أآمر بالقتال وجل قومي ** يرى أن الحماية فرض عين »
«أآمر بالجهاد ومال قومي ** تلاشى في لذائذ خصلتين »
«فإسراف النكاح وشر أكل ** فلا ترجى الكنوز لغير ذين»