يعود التأثير المسيحي على الحضارة الإسلامية والتفاعل الحضاري بين المسيحيّين في ديار الإسلام والمسلمين إلى بداية نشأة الحضارة الإسلامية، حيث كان المسيحيُّون آنذاك من أصحاب العلم والنُفُوذ والشأن وتساهل العديد من الخُلفاء مع أهل الذمَّة لِدرجةٍ كبيرة، فقدَّموهم في الوظائف ممَّا جعلهم يستأثرون بِالنُفُوذ في الدولة الإسلامية، فاقتنوا الأرزاق والأموال ما مكَّنهم من العيش بِرغد، وبنوا الكثير من الكنائس والأديرة.[2] كان لِلمسيحيين العرب في الشَّاموالعراقومصر، إلى جانب المسيحيين الآشوريين والسُريانوالأرمن والروم المُستعربين أو المُتحدثين بِالعربيَّة والمستعربين دورٌ كبير في بناء الحضارة الإسلاميَّة،[3] حيث قدم المسيحيون تعلم اليونانية إلى المُسلمين.[2] وساهم مسيحيو الشرق (خاصةً المسيحيون النساطرة) في الحضارة العربية الإسلامية خلال الفترة الأموية والعباسية من خلال ترجمة أعمال الفلاسفة اليونانيين إلى اللغة السريانية وبعد ذلك إلى اللغة العربية، [4][5][6] كما برعوا في الفلسفةوالعلوم واللاهوت والطب.[7][8]
لعب المسيحيون دورًا مهمًّا في ظل الدولة الإسلامية حيث برزت مساهمة القبائل المسيحية إبان الفتوحات العربية، وفي تثبيت أركان الحكم، وبقيت مجتمعات مسيحية على دينها مثل أقباطمصر، وموارنةلبنان، وتغالبة الجزيرة، وكان مسيحيو الشام من القبائل التغلبية يشكلون سندًا للأمويين في الجيش، وفي الأسطول[9]
اعتمدت الدولة الإسلامية على المسيحيين في إدارة الدولة ودواوينها، فقد كان للمسيحيين العرب دور بارز في العصر الأموي، في إنشاء الدواوين، [9] فاستفاد الأمويون والعباسيون منهم في تعريب الدواوين والإدارة وأبقوهم على رأس وظائفهم؛ وكذلك فعل الفاطميون في مصر، ولم يقتصر الأمر على موظفي الإدارة، بل تعداه إلى الوظائف الكبيرة في الدولة، فقد عمل السرياناليعاقبةوالنساطرة خلال العصر العباسي في الترجمةوالعلوموالفلكوالطب فاعتمد عليهم الخلفاء.[10]
كان المسيحيون خاصًة الأرمنواليونانيين عماد النخبة المثقفة والثرية في عهد الدولة العثمانية، [11] وكانوا أكثر الجماعات الدينية تعليمًا، وفي أواخر العصر العُثماني برز أعلامٌ مسيحيُّون كان لهم الفضل في إحياء اللُغة العربيَّة التُراثيَّة (عربيَّة قُريش) وتبسيطها وإدخال بعض التعديلات عليها، فكان أن وُلدت اللُغة العربيَّة الفُصحى المُعاصرة المُستخدمة في المُؤلفات المكتوبة وفي الإعلام المنطوق، ومن هؤلاء: الشيخ ناصيف اليازجي وابنه إبراهيم اليازجي والمُعلِّم بُطرس البُستاني. وقاد المسيحيون النهضة القومية العربية، [12][13] وقد انتقل بعض هؤلاء المفكرين ذوي الأغلبية المسيحية من سورياولبنان إلى القاهرةوالإسكندرية التي كانت في ظل الخديوي إسماعيل المكان الأكثر انفتاحًا في الدولة العثمانية؛[14] كذلك فقد استقر بعض هؤلاء في المهجر، [15] لقد أطلق هؤلاء المسيحيون بصحفهم وجمعياتهم الأدبية والسياسية النهضة العربية في القرن التاسع عشر والتي سرعان ما اتسعت لتشمل أطياف المجتمع برمته.[16][17] وقد سطع أيضًا نجم عدد وافر من الشخصيات المسيحية العربية في الوطن العربي والمهجر في مناصب سياسية واقتصادية بارزة.
تأثير المسيحية على بعض دول العالم اللإسلامي واضح من خلال انتشار ثقافتها الدينية؛ في أعيادها مثل عيد الفصحوعيد الميلاد كونها أيام عطل رسمية لعدد من الدول ذات الأغلبية المُسلمة، [18] وكون تقويمها؛ التقويم الميلادي هو التقويم الأكثر انتشارًا في بعض الدولة الإسلامية والتي تعتمد أيضاً يوم الأحد كيوم عطلة رسمية؛ ولا يزال للطوائف المسيحية، دور بارز غير منقطع في المجتمع الإسلامي والعربي، لعلّ أبرز مراحله النهضة العربية في القرن التاسع عشر. مسيحيّو الشرق الأوسط هم أغنياء نسبيًا، ومتعلمون، ومعتدلون سياسيًا، [19] ولهم اليوم دور فاعل في مختلف النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.[20] ويدير المسيحيون في العالم الإسلامي اليوم عددًا من المدارس ومراكز النشاط الاجتماعي والمستشفيات والجامعات، وتقدّم هذه المؤسسات مستوى عاليًا من الخدمات.
التأثير
على العمارة الإسلامية
من القرن الثامن إلى القرن الحادي عشر، تأثرت أنماط العمارة الإسلامية بتقاليد قديمة مختلفة من ضمنها الأساليب الرومانية والبيزنطية التي كانت سائدة بشكل خاص في العمارة الإسلامية المبكرة، وزودت مناطق الإمبراطورية البيزنطية المحتلة حديثًا (جنوب غرب الأناضولوبلاد الشامومصروالمغرب الكبير) المهندسين المعماريين والبنائين والفسيفساء والحرفيين الآخرين للحكام الإسلاميين الجدد.[23] دُرّب هؤلاء الحرفيون على العمارة البيزنطية والفنون الزخرفية، واستمروا في البناء والتصميم على الطراز البيزنطي، الذي تطور من العمارة الهلنستية والرومانية القديمة.[23] ومن الأمثلة على ذلك قبة الصخرة (أواخر القرن السابع) في القدس، حيث أن تصميم المبنى مُستمد من العمارة البيزنطية ومن هيكل الكنيسة البيزنطية كرسي مريم التي بنيت بين عام 451 وعام 458 على الطريق بين القدسوبيت لحم.[24] وصُمّم المبنى على غرار كنيسة القيامة المجاورة، [25] ووُظّفَ فنانون مسيحيون بيزنطيون لإنشاء فسيفساء متقنة على خلفية ذهبية.[26][27] بالإضافة إلى مدرسة ضريح السلطان الناصر محمد في القاهرة والتي لها مدخل قوطي جُلبَ من عكا، وأُعيد استخدامه كغنيمة تذكارية.[28] لا تزال المعالم المسيحية ظاهرة في الكاتدرائية المسيحية السابقة مدرسة الحلوية في حلب، والتي حولها نور الدين زنكي إلى مسجد على الأرجح. للمسجد الأقصى زخرفة منحوتة مأخوذة من الهياكل الصليبية للقرن الثاني عشر في أقواس الواجهة.[29] وفقًا لفرضية وضعها جان سوفاجيه، فقد تبنى الأمويون الأنماط المعمارية لأديرة الرهبان المسيحيين والغساسنة في بناء قصورهم.[30][31] بدأ تأثير الفن والعمارة القبطية على العمارة الإسلامية ودمج بعض السمات القبطية في البناء الإسلامي منذ القرن السابع الميلادي.[32]
تأثر فن العمارة العباسية بالعمارة العراقية القديمة، خصوصًا الآشورية، وكذلك العمارة الفارسية.[33] ولعل تصميم بغداد بشكل دائري له أربعة أبواب هو أحد أبرز أوجه التأثر بالعمارة الآشورية؛ إذ إن المدن التي بناها المسلمون سابقًا إما مربعة كالقاهرة، أو مستطيلة كالفسطاط، ومن العراق انتقل هذا النمط المعماري عن طريق الولاة والسلاطين إلى مصروبلاد الشام.[33]
لقد تأثر وأثرًّ الفنوالثقافة الإسلاميةبالفنوالثقافة المسيحية من القرن الثامن إلى القرن التاسع عشر.[52][53] تلقت بعض الفنون ذلك التأثير بقوة، ولا سيَّما العمارة الدينية في العصور البيزنطيةوالعصور الوسطى.[52][53] خلال هذه الفترة، تباينت الحدود بين العالم المسيحيوالعالم الإسلامي كثيرًا مما أدى في بعض الحالات إلى تبادل السكان والممارسات الفنية والتقنيات المقابلة. علاوة على ذلك، كانت للحضارتين علاقات منتظمة من خلال الدبلوماسية والتجارة التي سهلت التبادلات الثقافية. في العالم الإسلامي ظل إنتاج الزجاج تخصصًا يهوديًا طوال هذه الفترة وكان نحت العاج على الصناديق والتطعيمات الخشبية صناعة قبطية مزدهرة، [54] واستمر تأثير الفن المسيحي، كما في مصر القبطية، خلال القرون السابقة، مع الحفاظ على بعض الاتصالات مع أوروبا. خارج العالم الإسلامي، كانت أهم نقاط الاتصال الأولية بين الغرب اللاتيني والعالم الإسلامي من وجهة نظر فنية هي جنوب إيطالياوصقليةوشبه الجزيرة الأيبيرية، حيث كان كلاهما يضم عددًا كبيرًا من السكان المسلمين. في وقت لاحق، كانت الجمهوريات البحرية الإيطالية مهمة في تجارة الأعمال الفنية الدينية.[55] يبدو أن الفن الإسلامي كان له تأثير ضئيل نسبيًا في الحروب الصليبية حتى على الفن الصليبي للدول الصليبيَّة، على الرغم من أنه قد يكون حفز الرغبة في الواردات الإسلامية بين الصليبيين العائدين إلى أوروبا.[55]
بدأ تأثير الفن والعمارة القبطيان على العمارة الإسلامية ودمج بعض السمات القبطية في البناء الإسلامي وفي صناعة النسيج المصري منذ القرن السابع الميلادي.[32] يُشير المؤرخ روبرت هيلينبراند إلى أن الفن السرياني والآشوري المسيحي في بلاد الشاموالعراقوبلاد فارس ترك بصمات واضحة على مختلف المخطوطات والمنمنات العربية والفارسية التي أنجزت خلال العصر الذهبي للإسلام وخلال القرن الثالث عشر الميلادي ولا سيما في نصفه الثاني منه حينما كانت البلاد الإسلامية ترزح تحت السيطرة المغول، [61] وقد استقى الفنانون في الدولة العباسية كثيرًا من مهاراتهم الفنية من أساتذتهم السريان ومن نتاجاتهم.[61] ووفقاً للباحث سمير عبده أثر نشاط السريان في الفن الإسلامي بشكل واضح، فطراز المباني الدينية عند المسلمين يشبه النمط السرياني والقبطي.[62] هناك أدلة على اقتراض ثقافي بين المستعربين النصارى والمسلمين في الأندلس، وكان تبني المسلمين للتقويم الشمسي المسيحيوالأعياد المسيحية ظاهرة أندلسية حصرية، [63] وأنتج المستعربون المسيحيون فن وثقافة دمج فيها الفن المسيحي والقوطيوالأندلسي.[63] بعد انتهاء الحكم الإسلامي في إسبانيا والبرتغال، استمرت تقاليد العمارة المغربية في شمال إفريقيا وكذلك في أسلوب المدجنين في إسبانيا، والتي استفادت من تقنيات وتصميمات مغاربية وتكيفت مع الفن المسيحي.[37] ولعب أرمن بلاد فارس دوراً هاماً في صناعة وتجارة السجاد الفارسي خصوصاً خلال عصر الدولة الصفوية.[64]
يُشير المؤرخ مايكل ليفي أن المسيحيين الإغريق والأرمن والبلغاروالشوام اللاتين (المشرقيون الكاثوليك) لعبواً دوراً بارزاً في تطوير ونقل أنماط فنية ومعمارية حديثة إلى الدولة العثمانية، [66] كما أنتجوا العديد من المآثر الفنية للفن العثماني.[66] وعلى الرغم من أن المسيحيين كانوا أقلية في مدينة دمشق ما بين القرنين الحادي عشر والرابع عشر الميلاديين، فإن الصناعات بقيت في أيدي معلميها، ولم يقارب الأعمال الفنية والحرف سوى عدد قليل من المسلمين، [67] ومع أن مسيحيي دمشق أضحوا قلة ما بين القرن الخامس عشر وأحداث عام 1860، بحيث لم يتجاوزوا ثلث عدد السكان، بقوا يحتكرون بعض الصناعات الهامة، ومنها حياكة الحرير، وصياغة الذهب، والزخرفة الحديدية، والفسيفساء، وفن العمارة، والنقش والنحت على الحجر، بحسب المراجع التاريخية.[67] وساهم المسيحيون بشكل بارز في بناء أهم معالم المدينة التاريخية، كقصر العظموخان أسعد باشا، وحتى ترميم الجامع الأموي الكبير.[67] خلال الحقبة العثمانية كانت حلب أيضًا موطنًا لإحدى أغنى المجتمعات المسيحية الشرقية وأكثرها تنوعًا في الشرق.[68] وتاريخياً خصوصًا خلال الحكم العثماني عمل المسيحيون في التجارة وأقاموا في أحياء خاصة فيهم أبرزها الجديّدة، وشيّدت في الحي ذاته بيوت فخمة تدل على ثراء ورفاهية أصحابها، [43] فضلًا عن مختلف المرافق التي تتيح لهذا الحيّ أن يعيش حياته المستقلة منها حمامات عامة مثل حمام برهم.[69] ومثل مسيحيي مدينة دمشق احتكر مسيحيو حلب أيضاً بعض الصناعات الهامة، ومنها حياكة الحرير، وصياغة الذهب، والزخرفة الحديدية، والفسيفساء، وفن العمارة، والنقش، والتصوير والنحت على الحجر.[43] وفي حي الجديّدة سكن أعيان الطوائف المسيحية في حلب، ولا سيما الأرمن الذين تخصصوا في التجارة مع الهند وبلاد فارس، ونتيجة لذلك أحضر الأرمن إلى حلب أنماط معمارية وفنية حديثة، أضحت جزءًا من الحياة الفنية للمدينة.[70] تأسست المدرسة الحلبية للأيقونة ونالت شهرة كبيرة خلال الفترة الممتدة بين النصف الثاني من القرن السابع عشر الميلادي والنصف الأول من القرن الثامن عشر الميلادي، ولعل أهم ما تميزت بها الأيقونات الحلبية هي أنّ الرسامين الحلبيين أضافوا إليها صبغة محلّية ونفساً سورياً بحيث يُمكن التعرّف عليها بمجرد أن يراها الباحثون والفنانون المختصون ويتمثل هذا النفس المحلي في وجود السيف الدمشقي المعقوف في بعضها وكذلك الوجه الشاحب والخلفية الذهبية وثياب البروكار -وهو نوع من الحريرالدمشقي الأصيل- في بعضها الآخر.[71]
لعبت كلية مدرسة القديس جورج الرومية والتي بنيت عام 1454 في حي الفنار في الحفاظ على التراث الفكري الإغريقي، وإنشاء نخب سياسية وفكريَّة واجتماعيَّة يونانية في الدولة العثمانية.[84] وكان للإرساليات التبشيرية المسيحية والأجنبية التي نزلت سوريا العثمانية لأهداف دينية أثر بعيد في تطوّر الحياة الفكرية. فقد رأى المرسلون أن خير الوسائل لنشر مذاهبهم الدينية هي إنشاء المدارس. فأسسوا عشرات المدارس الابتدائية وعددًا من المدارس الثانوية. وأنشأ المرسلون الأمريكيون «الكليّة السورية الإنجيلية» في سنة 1866،[85] التي أصبحت فيما بعد الجامعة الأمريكية في بيروت، وأسس اليسوعيون جامعة القديس يوسف سنة 1874.[86] وإلى جانب هذه المدارس كان للمرسلين الأمريكيين واليسوعيين مطبعتان في بيروت. وكان لهذه المدارس المسيحية والمطابع فضل كبير جدًا في نشر العلم وتقدم الحياة الفكرية في الوطن العربي، وخرجّت العديد من المدارس الكاثوليكية حول العالم نخب سياسية وعلميّة وفنيّة واجتماعية.
في عام 1863 أسس المحسن الأمريكي كريستوفر روبرت والمبشر الأبرشاني سايروس هاملين كلية روبرت في مدينة إسطنبول، [87] وحافظت الكلية على علاقات وثيقة مع المبشرين الأبرشانيينوالمشيخيين.[88] وكانت الهيئة الطلابية تتألف في السابق من الأقليات البلغارية والرومية والأرمنية والأقليات المسيحية الأخرى من الدولة العثمانية، لكن أدى الطلب المتزايد بين الأتراك المسلمين على التعليم الغربي إلى تسجيل أعداد كبيرة من الطلاب الأتراك فيها.[89] وكانت الكلية قد تأسست في عهد الدولة العثمانية كمؤسسة للتعليم العالي تخدم الأقليات المسيحية في الدولة العثمانية وكذلك الأجانب الذين يعيشون في القسطنطينية، لكن لاحقاً تبنت المدرسة نموذجاً تعليمياً علمانياً صارماً وفقاً للمبادئ الجمهورية التركية في عام 1923، وتحول اسمها إلى جامعة بوغازجي. بنى المبشرون الأمريكيون العديد من المدارس والكليات البروتستانية في إسطنبولوإزميروأضنة[90]ومعمورة العزيزومرسين[91]وعنتابوقيصريةوأماسية وغيرها من المدن، وخدمت هذه المدارس أبناء الأقليات المسيحية الأرمنية والسريانية وغيرها. وبالرغم من تحول أعداد ضئيلة جدا إلى تلك الطوائف إلا أن تأثير تلك الإرساليات كان عميقاً جداً في المنطقة أدت لحدوث نهضة ثقافية بانتشار الصحافة والتعليم بين سكانها المسيحيين السريان والآشوريين.[92] وأقامت الإرساليات الكاثوليكية شبكة من المدارس الكاثوليكية في أرجاء الدولة العثمانية، ولا تزال هذه المدارس تستقطب أبناء النخب التركية.[93] وصفت المؤرخة لوسي غارنيت المدارس الخاصة بالمسيحيين واليهود في الدولة العثمانية بأنها «منظمة على النموذج الأوروبي» للتعليم، وحصلت على الدعم من خلال التبرعات وتضيف أنه كان لمعظمها «مستوى تعليمي مرتفع».[94]
تحسنت أحوال أتباع كنيسة المشرق في سهل أورميا بعد أن ساعدت الإرساليات البروتستانتية الأمريكية إلى إنشاء مدارس حديثة وانتشار التعليم بها.[95] وأصبحت مدينة أورميا إحدى أكثر المناطق تطوراً حيث شهدت تأسيس جريدة «زهريرا دبهرا» عام 1849 والتي تعتبر أول جريدة ناطقة بالسريانية.[96] كما نشط في تلك المنطقة عدة إرساليات مسيحية منذ عشرينات القرن التاسع عشر عملت على إنشاء المطابع ونشر الصحف.
الاختلاف بين الدولة الأمويةودولة الخلافة الراشدة ومن بينها الاختلاف في التعامل مع غير المسلمين، هو اختلاف ينبع من طبيعة الدولتين ذاتهما، فبينما كانت الخلافة الراشدة «دولة دينية» عاصمتها المدينة المنورة المغلقة على ذاتها في الحجاز وتعتمد على «الشورى» في اختيار الخليفة، كانت الدولة الأموية «دولة مدنية بمرجعية إسلامية» عاصمتها دمشق المتعددة الطوائف والمذاهب والعرقيات، وتحولت معها الدولة إلى ملكية وراثية بدلاً من الشورى، كذلك اعتمدت التنظيمات السريانية والبيزنطية التي كانت موجودة سابقًا بما فيها الناحيتين الإدارية والعسكريّة، وكما تقول سعاد صالح «فقد قدّم الأمويون الدنيا على الدين».[97] يذكر في هذا الصدد كل من المؤرخ فيليپ حتّي وهنري لامنس وفريد دونر أن زوجة معاوية بن أبي سفيان ميسون بنت بحدل الكلبية كانت مسيحية، [98][99] وكان طبيب معاوية ووزير ماليته مسيحيًا وشاعر بلاطه كذلك، وسوى ذلك فقد عيّن ابن آثال واليًا على حمص وهو تعيين منقطع النظير في تاريخ الدول الإسلامية، [100] وقد لقب سكان سوريا معاوية «بالمستنير السمح» كما ذكر الطبري والمسعودي.[101]
خلال هذه المرحلة، أخذت المسيحية تتحول إلى طابع اجتماعي خاص في القبائل التي ظلّت عليها، يمكن أن ترى بعض أشعار الأخطل التغلبي في هذا المجال كدليل ساطع، وكذلك قول عبد المسيح بن اسحق الكندي في بداية الخلافة العباسية مفتخرًا بدين قبيلته كندة:[102]
فليس لنا اليوم فخر نفتخر به، إلا دين النصرانية. الذي هو معرفة الله، ومنه نهتدي إلى العمل الصالح ونعرف الله حق المعرفة، ونتقرب إليه، وهو الباب المؤدي إلى الحياة والنجاة من نار جهنم.
سمح الأمويون بالاحتفاظ بأغلب الكنائس ولم يمانعوا في ترميمها أو في بناء كنائس جديدة، ورغم أنّ بعض عهود الصلح أيام الراشدين نصّت على منع استحداث كنائس جديدة، إلا أن الأمويين لم يلتزموا بها باستثناء مرحلة عمر بن عبد العزيز وقد روى الطبري أن خالد القسري والي العراق، كان يأمر بنفسه بإنشاء البيع والكنائس، وأبو جعفر المنصور الخليفة، حذا حذوه عندما شيّد بغداد.[103] على صعيد آخر انخرطت أعداد كبيرة من المسيحيين في صفوف الدولة، فكان الوزراء وكتبة الدواوين وأطباء البلاط ومجموعة كبيرة من الشعراء والأدباء من المسيحيين، حتى أن فريقًا من أتباع الكنيسة المارونية وفريقًا من أتباع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية تساجلا حول طرق اتحاد طبيعي المسيح - وهو الخلاف الذي تفجّر في أعقاب مجمع خلقيدونية عام 451 - أمام الخليفة معاوية بن أبي سفيان طالبين تحكيمه في الموضوع، فأقرّ الخليفة رأي الموارنة ومنحهم كنائس كانت تابعة للأرثوذكس في حمصوحماةومعرة النعمان.[104] ونملك اليوم، قولاً يوّصف تلك المرحلة نقلاً عن الجاثليق إيشوعهيب الثالث جاثليق بابل وتوابعها لكنيسة المشرق:[105]
إنهم ليسوا أعداء النصرانية، بل يمتدحون ملتنا، ويوقرون قسيسينا وقديسنا، ويمدون يد المعونة إلى كنائسنا وأديرتنا.
ويقول هنري لامنس أن أكثر بلاد الشام في ختام العصر الأموي سيّما في القرى والأرياف كانت مسيحية سواءً أكانت سريانية أم عربية.[106] شغل المسيحيون في العصر الأموي وظائف هامة، فكان منهم الأطباء والوزراء والشعراء، فقد عين معاوية الطبيب ابن أثال عاملاً على ولاية حمص، [9] وكان منصور بن ياسر سرجيون وزيراً، وكان طبيبه الخاص عربياً مسيحياً، كما وتقلد بعض المسيحيين الوزارة كسعيد بن ثابت، وكان شاعر البلاط في عهده الأخطل، الذي كان ثالث أشهر شعراء «النقائض» مع جريروالفرزدق.[9] وكان منهم أيضاً حرفيون مهرة، شارك عدد غير قليل منهم في بناء الجامع الأموي الكبير، الذي أمر الخليفة الوليد بن عبد الملك ببنائه.[9] وعين سليمان بن عبد الملك كاتباً نصرانياً.
كان الخليفة أبو جعفر المنصور أول خلفاء بني العباس اهتمامًا بالعلم والعلماء، وقام باجتذاب الأطباء اليعاقبةوالنساطرة إلى مدينة بغداد، وترجمت له كتب في الطب والنجوم والهندسة والآداب، وألفت له ولعصره الكثير من كتب الحديث والتاريخ، وترجم جرجيس بن بختيشوع مؤلفات كثيرة في الطب من اليونانية إلى العربية، كما أن المنصور طلب من إمبراطور بيزنطة أن يرسل له أعمال إقليدس والمجسطي لبطليموس، وترجم كتاب إقليديس للعربية، وكان هذا الكتاب أول كتاب يترجم من اليونانية إلى العربية في عهد الدولة العباسية.[107] ساهم المؤلفون اليعاقبةوالنساطرة في نهضة التأليف تحت مظلة بيت الحكمة،[108] وأبرز هؤلاء النساطرة آل بختيشوع الذين قدموا إلى جنديسابور في عهد هارون الرشيد ووزرائه البرامكة، وتناقلوا العلم من جيل إلى جيل على مدى ثلاثة قرون في عهد العباسيين، وخدموا الطب والمنطق والديانة النصرانية بما عرَّبوا وألفوا.[109][110] وقد وصف الجاحظ وضع المسيحيين خلال العصر العباسي :«إن النصارى متكلمين وأطباء ومنجمين وعندهم عقلاء وفلاسفة وحكماء... وان منهم كتّاب السلاطين وفرّاشي الملوك وأطباء الأشراف والعطّارين والصيارفة... وأنهم أتخذزا البراذين والخيل واتخذوا الشاكرية والخدم والمستخدمين وامتنع كثير من كبرائهم من عطاء الجزية».[111]
كان للمسيحيين خاصًة السُريان من يعاقبةونساطرة دور مهم في الترجمةوالعلوم،[10] بخاصة أيام الدولة العباسية، وأدت الترجمة مهمة رئيسة في ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، وقد أتقن العرب، والمسيحيون منهم خاصة، الترجمة واستوعبوا محتويات الكتب المترجمة، بعدما عربوها وأعادوا صياغتها وطوروا مضمونها وأجروا عمليات نقد عليها وأعادوا إنتاج الثقافات السابقة لهم ووضعوها بين يدي العالم في ما بعد. لقد ترجم المسيحيون من اليونانية والسريانية والفارسية،[112] واستفادوا من المدارس التي ازدهرت فيها العلوم قبل قيام الدولة العربية خصوصاً مدارس مدن «الرهاونصيبينوجنديسابوروأنطاكيةوالإسكندرية» المسيحية والتي خرجت فلاسفة وأطبّاء وعلماء ومشرّعين ومؤرّخين وفلكيّين، وحوت مستشفى ومختبرًا ودار ترجمةٍ ومكتبةً ومرصد.[113] واشتهر من المترجمين شمعون الراهب وجورجيوس أسقف حوران وجوارجيوس وجبريل بن بختيشوع الذين اشتهروا في الطب خصوصاً، وبقيت أسرتهم آل بختيشوع مسؤولةً عن الطب في الدولة العباسية طوال ثلاثة قرون، وخدم أبناؤها كأطباء خاصّين للخلفاء العباسيين،[114] وعيّن المأمون يوحنا بن ماسويه الذي ترجم وألف خمسين كتاباً رئيساً لبيت الحكمة وكان أبوه أيضًا طبيبًا،[114]وحنين بن إسحق كان أيضاً رئيساً لبيت الحكمة ومن بعده ابن اخته حبيش بن الأعسم، وقد ترجم حنين بن إسحق 95 كتابًا،[114] وكان لسعيد بن البطريق عدد من المصنفات العلمية والطبية. وقد أقام المأمونيوحنا بن البطريق الترجمان أميناً على ترجمة الكتب الفلسفيّة من اليونانيّة والسريانيّة إلى العربيّة،[114] وتولّى كتب أرسطو وأبقراط.
بقي قسمٌ كبيرٌ من أهالي الأندلس القُوط على المسيحيَّة، فكفلت لهم الدولة الحُريَّة الدينيَّة لقاء الجزية السنويَّة. وقد تمتَّع نصارى الأندلُس زمن الإمارة الأُمويَّة بحقوقٍ وامتيازاتٍ لم يحصلوا عليها خِلال العهد القوطي، من ذلك أن المُسلمين سمحوا لهم بالحفاظ على مُمتلكاتهم الدينيَّة كالكنائس ومُمتلكاتها، والأديرة وغيرها، وعلى مُمتلكاتهم الخاصَّة مثل الأموال والعقارات المُختلفة كالمساكن، والمحلَّات التجاريَّة، والأراضي الزراعيَّة. أضف إلى ذلك، منحت السُلطة الإسلاميَّة في الأندلُس للمسيحيين امتيازات منها قرع النواقيس، ومرور المواكب في شوارع المُدن أثناء الاحتفالات الدينيَّة حاملين الصليب، وبناء كنائس جديدة، إضافةً إلى السماح لهم باستعمال اللُغة العربيَّة في الترانيم الكنسية، وعدم تدخلها في الأُمور التنظيميَّة الدَّاخليَّة للكنيسة.[126]
كان من أبرز المجتمعات المسيحية في الأندلسالمستعربون أو النصارى المعاهدون أو الأعاجم وهم النصارى الذين ظلوا في الأندلس في المدن والبقاع المفتوحة بعد الفتح الإسلامي، وتركزت قواعدهم الأساسية في كل من قرطبةوإشبيليةوطليطلة.[127][128] وقد شكلوا الطبقة الأكثر عددًا وانقسموا إلى طبقتين داخل المجتمع الأندلسي؛ أولهما عليا، وكانت تتكون من كبار النصارى ووجوههم؛ وثانيهما العامة، إلا أن الطبقة الثانية حظيت بحقوق أخرى إبان الفتح، حيث مكنهم الفاتحون من خدمة الأرض مقابل جزء يسير من منتوجها يؤدونه للدولة ويحتفظون هم بجله، وكانوا قبلًا أقنانًا مملوكين. وتبنى المستعربون تقاليد العرب ولغتهم واهتموا بالحرف العربي وكانوا يجيدون الشعروالنثر العربي وينظمون القصائد ويتفاخرون بإتقانهم للغة العربية. وخلال الحكم الأموي كله اعتمد عليهم الأمويون في إدارة شؤون البلاد الاقتصادية وتنظيم الدولة والعلوم. وبرز المسيحيون في العلوموالطبوالفلك، فيما امتهن عوامهم الزراعة وتربية الماشية والصيد.[129]
وصل عدد كبير من النصارى إلى مكانة اجتماعية مرموقة؛[130] وأصحاب نفوذ وجاه، [131] وحظوا برعاية الدولة خاصة في عهد علي بن يوسف، حتى إن إحدى الوثائق المسيحية أكدت أن تعلُّقه بالنصارى فاق تعلُّقه برعيَّته، وأنه أنعم عليهم بالذهب والفضة وأسكنهم القصور.[132] وشارك النصارى المسلمين في استغلال المرافق الاجتماعية حيث سمح لهم باستقاء المياه مع المسلمين من بئر واحدة، ونظرا للتسامح الديني معهم سمح للنصارى بالخروج مع المسلمين في صلاة الاستسقاء.[133][134] وحرص الأمراء المرابطين على حفظ الحقوق الاجتماعية للنصارى والضرب على أيدي كل من حاول المس بهم.[135][136][137] وخصصت لهم الدولة المرابطية مقابر خاصة، تماشيا مع عاداتهم وتقاليدهم في دفن موتاهم وتعرف هذه المقابر باسم «مقابر الذميين».[138] وفي المقابل تثبت بعض النصوص ما تعرضوا له من تشدد من طرف بعض الفقهاء كالمطالبة بمنع المسيحيات من الدخول إلى الكنائس إلا في أيام الاحتفالات والأعياد.[139] ورغم أن النصارى كانوا يرتدون لباسا خاصا بهم، [140] إلا أنهم كانوا يلبسون أزياء المسلمين، ورغم مطالبة بعض الفقهاء لهم بالكف عن ذلك، [141] إلا أنهم استمروا في ارتدائها.
العصر المملوكي
رُغم أنَّ المماليك التزموا بِما تقضيه الشريعة الإسلاميَّة، وما أقرَّتهُ العهدة العُمريَّة، من ترك أهل الكتاب أحرار في دينهم، [143] إلَّا أنَّ العهد المملوكي يُعتبر - إجمالًا - عهدًا بائسًا عند المسيحيين المشرقيين فيما يخص علاقتهم بِالحُكُومة، وخُصوصًا خِلال عهد المماليك البحريَّة، ومردُّ ذلك هو الحُرُوب الصليبيَّة بِالمقام الأوَّل، التي كان من آثارها تردِّي العلاقة بين المُسلمين والمسيحيين، وخُصوصًا مع الطوائف المسيحيَّة التي مالت إلى الصليبيين وتعاونت معهم، ففُقدت الثقة بين الطرفين. كما يظهر أنَّ سلاطين المماليك رغبوا في الظُهور بِمظهر حُماة الدين لِدعم مركزهم في نظر المُسلمين.[144] وخلال العصر المملوكي تعرض مسيحيو بلاد الشام ومصر إلى حملة واسعة من الاضطهادات التي شملت إغلاق وهدم الكنائس والتحويل القسري إلى الإسلام، وهو العصر الذي فيه فقدت سوريا ومصر الأغلبية المسيحية.[145][146]
لكن لا يُفهم من ذلك أنَّ دور المسيحيين انكفأ تمامًا في هذا العصر، بل شارك المسيحيون في الحياة العامَّة بِالدولة، وكان منهم العُلماء والإداريون وكِبار المُوظفين.[147]
شكَّلت الدولة المملوكيَّة موطن الكثير من الطوائف المسيحيَّة، كان في مُقدمتها: الأقباطوالروموالسُريانوالموارنةوالنساطرة، إضافةً إلى طوائف مسيحيَّة واردة من الخارج مثل الكرجيُّينوالأحباشوالأرمنواللاتين، واختارت هذه الأقليَّات الإقامة في المُدن التجاريَّة والثُغُور، وكان لِكُلِّ جاليةٍ منها قُنصلٌ يُشرفُ على شُؤونها ومصالحها.[148] وفي الشَّام، شدَّد المماليك الخناق على الموارنة بِالذات من بين سائر الطوائف المسيحيَّة الشاميَّة، وذلك بِسبب علاقة أُمرائهم ومُقدميهم الوثيقة بِالقوى الصليبيَّة في أوروپَّا وقبرص، وبِسبب اتباع الكنيسة المارونيَّةلِلبابويَّة الكاثوليكيَّة. شهدت الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية تراجعاً بعد الدمار المملوكي لمركزها الروحي، في أنطاكية، وتدمير تيمورلنكلحلبودمشق في عام 1400.[149] وشهدت المجتمعات المسيحية السريانية أيضاً انخفاضاً كبيراً في سوريا نظرًا للنزاعات حول الخلافة الأبوية وتدمير المؤسسات الكنسيَّة والمذابح التي حصلت بحقهم على يد تيمورلنك والقبائل الكردية المحليَّة. شهد العصر المملوكي زيادة المشاعر المعادية للمسيحية، [150] وكانت مظاهر العداوة ضد المسيحية في الغالب تُقاد على المستوى الشعبي وليس تحت إشراف السلاطين المماليك. كان المصدر الرئيسي للعداء الشعبي هو الاستياء من المواقف المتميزة لكثير من المسيحيين في البيروقراطية المملوكية.[151] خلال العصر المملوكي كان لِلموارنة في القسم الشمالي من جبل لُبنان عائلاتهم الإقطاعيَّة الكبيرة.[152] وكان الإقطاعيُّون فئات، فكان منهم الأُمراء والمُقدَّمون والمشايخ. وكانت الإقطاعة الصغيرة تتكوَّن عادةً من قرية إلى عشر قُرى.
بدأ المماليك يستعملون الأقباط في دواوينهم بِكثرة خِلال سلطنة قُطُز، إذ أنَّ الوزير القائم آنذاك كان قبطيًّا عيَّنهُ السُلطان أيبك، ويُدعى «شرفُ الدين أبو سعيد هبةُ الله»، وكان قد أظهر براعةً في التشريع الضريبي لِجمع أكبر كمّ من الأموال باسم قانون الحُقُوق السُلطانيَّة، وحصلت الدولة المملوكيَّة به على المال الكثير.[142] وفي عهد الظاهر بيبرس أُقيل جميع الأقباط الذين كانوا يعملون في ديوان الحرب وأُحلَّ مُسلمُون محلَّهم، وفي نفس يوم تنفيذ هذا القرار هُدم دير الخندق الكائن خارج القاهرة بِالقُرب من باب الفُتُوح ولم يُترك فيه حجر على حجر، كما زيدت عليهم الضرائب.[142] أمَّا في عهد قلاوون فقد عُدل عن التزيُّد في الضرائب على الأقباط وعادت المُساواة بينهم وبين المُسلمين في ذلك وأُعيدوا إلى وظائفهم، لكن بعد مُرور فترة عاد هذا السُلطان إلى التشديد عليهم، فأمر بِرُكُوبهم الحمير وشد الزنانير وألَّا يُحدِّث نصراني مُسلمًا وهو راكبٌ دابته، ولا يلبسون ثيابًا مصقولة.[142] خلال الحقبة المملوكية أجبر العديد من أقباط مصر على اعتناق الإسلام قسراً.[153][154][155][156]
العصر الصفوي
في عام 1606 أنشئ الحي الأرمني بواسطة مرسوم من الشاه عباس الأول، وهو شاه بارز من السلالة الصفوية. قدم إلى الحي أكثر من 150,000 من الأرمن إلى جولفا من ناخيتشيفان. وقد جاء الأرمن إلى بلاد فارس فارين من الاضطهادات في الإمبراطورية العثمانية؛ في حين وفقًا لإدعاءات أوروبية وأرمنية تقول أن السكان الأرمن تم نقلهم بالقوة في 1604 إلى أصفهان من قبل الشاه عباس الأول. على الرغم من اختلاف أسباب قدوم الأرمن إلا أنّ جميع الإدعاءات تتفق أن الأرمن من سكان جولفا ازدهرت على أيديهم التجارة خاصًة تجارة الحرير الخاصة بهم، وعمل الأرمن في أصفهان كتجار أغنياء، ولهم دور بارز في تطوير الصناعات الفنية الدقيقة الخاصة بالمجوهرات والآلات الدقيقة، ويساهمون اليوم في الصناعات البترولية.[158]
في أواخر القرن السابع عشر، سيطر الأرمن تقريبًا على كل التجارة الفارسيَّة.[159] حيث صنّف أرمن الدولة الصفويةكأقلية وسيطة.[160][161] وأنشأ الأرمن شبكات تجارية واسعة في مدن مثل بورصة، وحلب، والبندقية، وليفورنو، ومرسيليا، وأمستردام.[162] وهكذا أصبح الأرمن المسيحيين النخبة التجاريَّة في المجتمع الصفوي من خلال وجود رأس مال كبير أتاح للمسيحيين حرية دينية كبيرة فضلًا عن ثراء وسطوة.[163] كانت الغالبية العظمى من الأسر التجارية الأرمنية مقرها في الجلفة الجديدة.[164] وبسبب انتشارهم، أنشأت العديد من العائلات الأرمنية التي يعود أصلها إلى محلة جلفا، [164] مستوطنة رئيسية في ولاية البنغال لتوسيع شبكة التجارة والتي كان مقرها محلة جلفا.[164] في عام 1947 كتب المؤرخ فرناند بروديل أنه كان للأرمن الفرس شبكة تجاريَّة واسعة إمتدت من أمستردام إلى مانيلا في الفلبينوهونغ كونغوأستراليا، وعمل الكثير من العلماء الأرمن في هذه الشبكة.
استطاعت الدولة العثمانيةفتح القسطنطينية سنة 1453 وسقطت الإمبراطورية البيزنطية، [169] وتحول ثقل الكنيسة الأرثوذكسية إلى روسيا، سمح العثمانيون لليهود والمسيحيين أن يمارسوا شعائرهم الدينية بحرية تحت حماية الدولة، وفقًا لما تنص عليه الشريعة الإسلامية، وبهذا فإن أهل الكتاب من غير المسلمين كانوا يعتبرون رعايا عثمانيين لكن دون أن يُطبق عليهم قانون الدولة، أي أحكام الشريعة الإسلامية، وفرض العثمانيون، كجميع الدول الإسلامية من قبلهم، الجزية على الرعايا غير المسلمين مقابل إعفائهم من الخدمة في الجيش. توفي البطريرك غريغوريوس الثالث موالي الاتحاد مع روما عام 1453 فرأى محمد الفاتح أن يوصل إلى السدة البطريركية شخصاً معارضاً لا يرضى الاتحاد مع البابوية ورأى أنه من الحكمة أن يظل الإنشقاق قائماً بين الكنيسة الشرقية واللاتينيَّة، فأنتخب جورجيوس سكولاريوس وأعلن بطريركياً مسكونياً، وأعتبرت السلطات العثمانيَّة البطريرك المسكوني مسؤولاً عن الملَّة المسيحية فخولته سلطة زمنية على المسيحيين علاوة على سلطته الدينيَّة. وعاد عدد كبير من الروم إلى القسطنطينيَّة وأستقروا حول البطريركية، وكان لهم من ثروتهم القائمة على التجارة وبراعتهم في السياسة ما ضمن لهم مركزاً رفيعاً في الدولة العثمانية.[170] عندما أصبح الشرق العربي خاضعاً تحت الحكم العثماني في القرن السادس عشر، انتعشت أحوال السكان المسيحيون وثرواتهم بشكل ملحوظ؛ ونشطت المجتمعات المسيحية في حلبودمشقوالإسكندرونةوإزميروالقدس في التجارة. حيث كان للعثمانيين خبرة طويلة في التعامل مع الأقليات المسيحية واليهودية، وكانوا أكثر تسامحًا تجاه الأقليات الدينية من المماليك الحكام المسلمين السابقين للمنطقة.[171]
كانت الملّة الأرثوذكسية أكبر الملل غير الإسلامية في الدولة العثمانية، وقد انقسم أتباعها إلى عدّة كنائس أبرزها كنيسة الروم، والأرمن، والأقباط، والبلغار، والصرب، والسريان، وكانت هذه الكنائس تُطبق قانون جستنيان في مسائل الأحوال الشخصية. خصّ العثمانيون المسيحيين الأرثوذكس بعدد من الامتيازات في مجاليّ السياسةوالتجارة، وكان هذا في بعض الأحيان بسبب ولاء الأرثوذكسيين للدولة العثمانية.[172][173] اضطلع أرمن ويونانيين الدولة العثمانية بدور مالي وتجاري من خلال ربط وظائفها الرئيسية للمنتجين والمستهلكين مثل: التجار، ومقرضو الأموال، إلخ. وصنف كل أرمن ويونانيين الدولة العثمانية كأقلية وسيطة.[157] كما وكان للشوام المشرقيين الكاثوليك دور مؤثر في تطوير العمارة في الدولة العثمانية؛ وترك الكاثوليك المشرقيين العديد من القصور والمنازل الفخمة والمآثر العمرانيَّة في مدينة إزمير.[174] وكان عماد من الشوام الكاثوليك من التجار والصناعيين والبرجوازيين.[175] خلال القرن الثامن عشر أصبح المسيحيين في حلبودمشقوإسطنبولوإزميروالإسكندرونة أرباب عمل ونخبة ثريّة، [176] وكانت الطوائف المسيحية تزداد ثروة وثقافة ونفوذًا، وفي تلك الحقبة كان مسيحيو حلب ودمشق من الروم الأنطاكيينوالسريان) أكثر ثراءً من المسلمين.
لعب الإغريق دوراً رائداً في الدولة العثمانية، [198] ويرجع ذلك جزئياً إلى حقيقة أن المحور المركزي للدولة، سياسياً وثقافياً واجتماعياً، كان قائماً على تراقيا الغربيةومقدونيا اليونانية، في شمال اليونان، وبالطبع تمركزت في العاصمة البيزنطية السابقة، القسطنطينية، ذات الأغلبية اليونانية. وكنتيجة مباشرة لهذا الوضع، لعب الناطقين باللغة اليونانية دوراً هاماً للغاية في المؤسسة التجارية والدبلوماسية العثمانية، وكذلك في حياة الكنيسة الشرقية. ويُمكن إرجاع جذور النجاح الإغريقي في الدولة العثمانية إلى التقليد اليوناني في التعليم والتجارة والمتمثل في يونان الفنار، والذي كان لهم من ثروتهم القائمة على التجارة وبراعتهم في السياسة ما ضمن لهم مركزاً رفيعاً في الدولة العثمانية. وكانت ثروة طبقة التجار الواسعة النطاق التي وفرت الأساس المادي للإحياء الفكري الذي كان سمة بارزة للحياة اليونانية في نصف القرن وأكثر مما أدى إلى اندلاع حرب الاستقلال اليونانية في عام 1821.[11] وليس من قبيل الصدفة، عشية عام 1821، كانت المراكز الثلاثة الأكثر أهمية للتعلم اليوناني تقع في خيوس، وسميرناوأيفاليك، وجميعها من المراكز الرئيسية الثلاثة للتجارة اليونانية.[11] كما تم تفضيل النجاح اليوناني بالسيطرة اليونانية على الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية.[11] يذكر أن اليونانيين العثمانيين سيطروا على 45% من رأس المال في الدولة العثمانية قبل عام 1914.[199]
الأرمن العثمانيون
خلال القرن التاسع عشر تحسنت أوضاع الملّة الارمنية الأرثوذكسية لتصبح أكثر طوائف الدولة العثمانية تنظيمًا وثراءً وتعليمًا، وعاشت النخبة من الأرمن في عاصمة الإمبراطورية العثمانية مدينة إسطنبول حيث تميزوا بالغنى الفاحش وعلى وجه الخصوص العائلات الكبيرة المعروفة آنذاك كعائلة دوزيان وباليان ودادايان حيث كان لهم نفوذ اقتصادي كبير في الدولة.[201] إلى جانب الاستفادة من تطور بنية المدراس الأرمنية التابعة للكنيسة عمل الارمن في التجارة والمهن الحرة مما أدى إلى تحسن أوضاعهم الاجتماعية، ظهر أشخاص احتلوا مناصب هامة مثل المحسن ورجل الأعمال كالوست كولبنكيان والذي لعب دورًا رئيسيًا في جعل احتياطي النفط في الشرق الأوسط متاحًا للتنمية الغربية. حقق بعض الأرمن النجاح كتجار وحرفيين، خصوصاً سكان المدن. وأدت مشاركة الأرمن في التجارة الدولية في القرنين السابع عشر والثامن عشر إلى إنشاء مستوطنات أرمنية مهمة في إسطنبول ومدن الموانئ العثمانية وبعيدًا مثل الهند وأوروبا.[202] على الرغم من سيطرة المسلمين على المجتمع العثماني، إلا أن عددًا من العائلات الأرمينية تمكنت من الوصول إلى مناصب بارزة في البنوك والتجارة والحكومة.[202] فعلى سبيل المثال، كان كبار مهندسي البلاط العثماني، لعدة أجيال في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، من عائلة باليان الأرمنية.[202] وعمل العديد من الأرمن واليونانيين في منصب الترجمان ودليل رسمي بين البلاد المتحدثة بلغات أهمها التركيةوالعربيةوالفارسية واللغات الأوروبية، وأيضا بين البعثات الأوروبية والتجار.[203]
أنشأ الأرمن الصحافة الأولى في الدولة العثمانية ولعّل دريان كليكيان الصحفي ومؤسس أولى الصحف في تركيا والبروفسور في جامعةاسطنبول العثمانية أبرز هؤلاء، ولعب ارمن تركيا دورا في تطوير الأدب الارمني، وأشرفت أسرة باليان الأرمنيَّة المسيحيَّة على تصميم وبناء العديد من المباني الرئيسية في الدولة العثمانية، بما في ذلك القصور (مثل قصر بكلربكيوقصر طولمة باغجةوقصر يلدز) والقناقوالأكشاك والمساجد والكنائس والمباني العامة المختلفة.[204] وخدم تسعة من أعضاء العائلة ستة سلاطين في سياق قرن تقريبًا وكانوا مسؤولين عن الهندسة المعمارية للعاصمة.[205] نظم الأرمن أنفسهم فأنشؤوا النوادي والأحزاب السياسية والجمعيات الخيرية بالإضافة إلى المدارس والكنائس والمستشفيات.
شارك المسيحيون في نقل مفاهيم الدولة الحديثة إلى العرب، [207] كمفاهيم الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص والحق بالتعليم وتحديث الدولة، وأكدوا اعتزازهم بانتمائهم القومي[211]، ومنهم بطرس البستاني الذي دعا إلى تعليم العلوم الحديثة، وعمل لنشر مبدأ العدالة وفصل السلطات في الدولة وإدخال التعليم الإلزامي، وألف القاموس المحيط ثم بدأ تاليف دائرة المعارف وأنشأ صحفاً «الجنان، الجنينة»، وافتتح مدارس على أسس قومية طلابها مسلمون ومسيحيون، وأسهم في إحياء التراث العربي[211]، وفرنسيس مراش الذي تحزب للعقل ونادى بالحرية والمساواة ومحاربة الاستبداد والاستعباد وطالب بالمواطنة مرجعية للجميع[211]، ومنهم أيضاً أديب إسحق الذي عارض الاستعمار والتدخل الأجنبي، ونادى بالوحدة العربية.[211] ولعل فرح أنطون من أهم النهضويين العرب، فقد كان محرراً في عدد من الصحف وترجم إلى العربية مؤلفات عديدة وألف كتباً وساجل محمد عبده ونادى بالمساواة والعدالة والولاء القومي.[211]
وقد لعب المسيحيون العرب أدوارًا مماثلةً في الأدب والشعر العربيين والمسرح والصحافة، ليس فقط في العالم العربي، إذ إن أعدادًا كبيرة قد هاجرت نحو العالم الجديد وشهدت نيويورك ميلاد الرابطة القلمية.[213][214] أسهم المسيحيون العرب في تأسيس الجمعيات، بدءاً من أوائل النصف الثاني من القرن التاسع عشر، [215] وأخذت الجمعيات أسماءً غير سياسية، لكنها كانت أحزاباً بأسماء جمعيات، أهدافها الحقيقية سياسية وقومية وتنويرية، وهدفها كان العمل لانتزاع حقوق العرب من السلطة العثمانية، وأخيراً تحقيق اللامركزية. وانتشرت الجمعيات في المدن العربية، وأصدرت الصحف والكتب والمنشورات، وقامت بنشاطات ثقافية وسياسية واسعة، [215] وكان من أبرز الجمعيات: الجامعة العربية والإخاء العربي العثماني والمنتدى الأدبي والجمعية العربية الفتاة وجمعية العهد والجمعية القحطانية وحزب الإصلاح، وكان حوالي نصف عدد أعضاء المؤتمر العربي الأول باريس 1913 من العرب المسيحيين.[215]
في أواخر العصر العُثماني برز أعلامٌ مسيحيُّون كان لهم الفضل في إحياء اللُغة العربيَّة التُراثيَّة (عربيَّة قُريش) وتبسيطها وإدخال بعض التعديلات عليها، فكان أن وُلدت اللُغة العربيَّة الفُصحى المُعاصرة المُستخدمة في المُؤلفات المكتوبة وفي الإعلام المنطوق، ومن هؤلاء: الشيخ ناصيف اليازجي وابنه إبراهيم اليازجي والمُعلِّم بُطرس البُستاني.[216]
أثر المسيحيون العرب بشكل كبير في الثقافة العربية وساهموا فيها في العديد من المجالات التاريخية والحديثة، [3] بما في ذلك الأدب، والسياسة، [3] والتجارة والأعمال، [3] والفلسفة، [123] والموسيقى والمسرح والسينما، [224] والطب، [225] والعلوم.[226]
لقد كوّن المسيحيون في العصر الحديث الطبقة البرجوازية الأساسية في الشامومصر، [14][227] مما جعل مساهمتهم في النهضة الاقتصادية ذات أثر كبير، [227] على نحو ما كانوا أصحاب أثر كبير في النهضة الثقافية، [227] وفي الثورة على الاستعمار بفكرهم ومؤلفاتهم وعملهم.[227][228] وحتى اليوم ما يزال المسيحيون في الشرق الأوسط يلعبون دوراً حضارياً وثقافياً وعلمياً وقومياً ويشكلون نخب سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية في مجتمعاتهم.[20] ويعتبر المسيحيون في الشرق الأوسط أكثر تعليماً بالمقارنة مع الجماعات الدينية الأخرى؛ وهذا يرجع إلى عوامل تاريخية بالإضافة إلى الظروف الحالية، [227][229] ووضعهم الاقتصادي - الاجتماعي الأفضل مقارنة بباقي السكان، [230] وهم أغنياء نسبيًا، ومتعلمون، ومعتدلون سياسيًا.[19][227] يدير المسيحيون في المنطقة عددًا من المدارسوالجامعات ومراكز النشاط الاجتماعي والمستشفيات. وكذلك الأمر في المهجر إذ وصل المسيحيون العرب إلى مناصب سياسية واقتصادية مهمة واستنادًا إلى كريستشن ساينس مونيتور يعتبر المسيحيون العرب في المهجر «أغنياء ومتعلّمين وذوي نفوذ».[231] تتواجد في أمريكا اللاتينيةوالولايات المتحدةوكنداوأستراليا مجتمعات مسيحية مشرقية بارزة ومندمجة بشكل جيد، ويبرزون في مجال الأعمال التجاريَّة، والتجارة، والخدمات المصرفيَّة، والصناعة، والسياسة.[232]
وفقاً لبحث نشرته كيوساينس يتمتع الأقباط في مصر بمستوى تعليمي أعلى نسبيًا، وبمؤشر ثروة أعلى نسبياً، وتمثيل أقوى في وظائف ذوي الياقات البيضاء، ولكن بتمثيل محدود في الأجهزة الأمنية. بالإضافة إلى ذلك، معظم المؤشرات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية والصحية متشابهة بين الأقباط والمسلمين. وفقاً للباحث محمد صالح كان الأقباط تاريخياً الأقباط أقلية في النخبة السياسية، وكانت المناصب العليا التي وصل إليها الأقباط مقتصرة على البيروقراطية المتوسطة والمنخفضة مثل الكتبة والمحاسبين وجباة الضرائب العقارية.[275] ومع ذلك كان الأقباط أكثر ثراءً في المتوسط من المسلمين، [220] ويعزو الباحثان بوتيشيني وإيكشتاين ذلك إلى تشجيع المسيحيَّة القبطيَّة، مثل اليهودية الربانية، على تراكم رأس المال البشري.[220] كما وكان المسيحيين غير الأقباط أغنياء متجانسين، ومعظمهم من النخب الحضرية.[220]
عشية الحرب العالمية الأولى أسست البرجوازية المسيحية جنبًا إلى جنب المبشرين والإرساليات التبشيرية شبكة واسعة من المدارس (منها كليّة روبرت العريقة) والجامعات والمستشفيات في تركيا الحالية.[283][284] وكان التفاوت حادّاً جدّاً أكان في الوظائف الاقتصاديّة أم في التعليم، حيث كانت نسبة عموم المسيحيّين المتعلّمين إلى نظرائهم المسلمين نسبة 6 إلى 1. والتفاوت هذا إنّما نجم عن مقاومة الدولة العثمانيّة التعليم الغربيّ بوصفه «مسيحيّاً»، بدل اعتباره «علمانيّاً»، فيما كان الأرمن واليونانيون يعتبرون التعليمَ مفتاحاً للصعود الاجتماعيّ، مستثمرين فيه كما في الطباعة والصحافة.[285] أثرّت أحداث مثل الإبادة الجماعية للأرمنوالإبادة الجماعية لليونانيينوالتبادل السكاني بين اليونان وتركيا 1923 سلبًا على الطبقة البرجوازية في تركيا، حيث شكل المسيحيين نسبة هامة من الطبقة البرجوازية.[286] وما زال اليونانيون في تركيا يقومون بدور مهم في الحركة التجارية في إسطنبول رغم تضاؤل أعدادهم في السنوات الأخيرة، ولم تحل ضريبة الثروات دون دور مركزي لليونانيين الأتراك في الاقتصاد التركي.[287] فقد كانت لهم اليد الطولى منذ عقد 1940، في صناعات القماش والكاوتشوك والجوارب والحرير والمظلات والجزمات والدباغة. وكان اليونانيون الأرثوذكس رواداً لصناعة السيارات والكيميائيات والصيدلة وفي قطاع الإعلان وفي الألبسة الجاهزة. وما زال هذا الدور مستمراً حتى الآن.[288][289] وقد برزت أيضاً أسماء مسيحية من أصول تركيَّة عالمياً منهم الفيلسوف والناقد الاجتماعي والاقتصادي كورنيليوس كاستورياديس، [290] والمؤسس والرئيس التنفيذي السابق لشركة بلاك بيريمايك لازاريديس، والعالم ورجل الأعمال غارو أرمين، [291]والطبيب السرياني مراد ديلمنر، [292]وهاكوب مارتايان الذي اشتهر بإنشاء وتطوير اللغة التركية الحديثة، [293] ولاعبو كرة القدم من أصول سريانيةكندي بكرجيكلووديفيد دورمازوجيمي دورماز والذي تعود أصولهم إلى طور عبدين، [294] وغيرهم.
أتاحت جهود التحديث التي بذلها رضا بهلوي (1924-1941) ومحمد رضا بهلوي (1941-1979) للمسيحيين الأرمن فرصًا واسعة للتقدم، [295] وحصل المسيحيين الأرمن على مناصب مهمة في قطاعات الفنون والعلوم والاقتصاد والخدمات، وخاصةً في طهران وتبريز وأصفهان التي أصبحت مراكز رئيسية للأرمن. ولا يزال الأرمن أبرز الأقليات الدينية في إيران، حيث أنَّ للأرمن عضوان في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني، أحدهما عن أرمن طهران والشمال، والآخر عن أرمن أصفهان وجنوب إيران.[296] والأرمن تجار أغنياء، ولهم دور بارز في تطوير الصناعات الفنيَّة الدقيقة الخاصة بالمجوهرات والآلات الدقيقة، ويساهمون في الصناعات البتروليَّة.[158] للمسيحيين دور في العمارةوالموسيقىوالتصويروالطباعةوالسينما الإيرانية وغيرها من المجالات.[297]
البلقان
أثر المسيحيون الألبان بشكل كبير في ثقافة ألبانيا وساهموا فيها في العديد من المجالات التاريخية والحديثة، بما في ذلك الأدب، والسياسة، والتجارة والأعمال، والفلسفة، والموسيقى والمسرح والسينما.[298] شهدت حقبة الحكم العثماني على ألبانيا ظهور الأدب الألباني، الذي كان من رواده العديد من المسيحيين مثل بيتير بوجداني. ودعا بعض من هؤلاء المفكرين الألبان المسيحيين، مثل بيتر بوجداني، إلى الاستقلال عن السيطرة العثمانية، وفي نهاية القرن السابع عشر، قام بوجداني وزميله راسباساني.[299] ولعبت مقاومة إسكندر بك مسيحي الديانة ضد الحكم العثماني دوراً في صقل وتحديد الهوية العرقية الألبانية.[300] وفقًا لدراسة قام بها مركز بيو للأبحاث عام 2016 تحت اسم الدين والتعليم حول العالم يُعتبر المسيحيين المجموعة الدينيَّة الأكثر تعليمًا في البلاد ويميل مسيحيي ألبانيا إلى الحصول على تعليم عال ومن أن يكونوا من حملة الشهادات الجامعيَّة بالمقارنة مع الجماعات الدينية الأخرى، [301] وكان الحاصلون على جائزة نوبل من ذوي الأصول الألبانية وهما الأم تريزا الحاصلة على جائزة نوبل في السلاموفريد مراد الحاصل على جائزة نوبل في الطب من أتباع الديانة المسيحية.[302] وتدير الكنيسة الكاثوليكية في ألبانيا العديد من المدارس التبشيرية الابتدائية والمتوسطة والثانوية، إضافةً لخمس جامعات وثماني مستشفيات وستة عشر دارًا للمسنين وستة عشر ميتمًا ودارًا للحضانة، وثلاثة مراكز لمساعدة العائلات وحماية الحياة البشرية. في البوسنة ترك إيفان فرانجو جوكيتش وهو راهب فرنسيسكاني، إرث ثقافي وسياسي وبصمة لا تمحى على التاريخ الثقافي للبلاد، حيث يُذكر كأحد مؤسسي الحداثة البوسنية.[303]
القوقاز وآسيا الوسطى
تاريخياً عاشت أعداد كبيرة من الأرمن في أذربيجان، شهدت باكو تدفقا كبيراً للأرمن بعد عام 1806، وشغل العديد منهم وظائف كتجار ومديرين صناعيين ومسؤولين حكوميين، وسمحت الظروف الاقتصادية التي قدمتها الحكومة الإمبراطورية الروسية للعديد من الأرمن بدخول أعمال إنتاج النفط والحفر المزدهرة في باكو. كانت الجاليّة الأرمنيّة الأرثوذكسيّة في باكو تشكل إحدى المراكز الثقافيّة والاقتصادية والسياسيّة في القوقاز في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.[304] حيث كان غالبيّة مالكين حقول النفط من الأرمن.[305] وقد صنف أرمن باكو خلال القرن التاسع عشر كأقلية وسيطة في الإمبراطورية الروسية.[304] وأنشأ الأرمن مجتمعاً نخبوياً في المدينة مع شبكة من الكنائس والمدارس، والتي كانت مسرحاً لثقافة أدبية حية. سمحت الظروف الاقتصادية المواتية التي وفرتها حكومة الإمبراطورية الروسية لكثير من الأرمن بدخول صناعة النفط المزدهرة في باكو. وشكلّ الأرمن جنباً إلى جنب الروس النخبة المالية للمدينة وتركز رأس المال المحلي في أيديهم أساساً. كان الأرمن ثاني أكبر مجموعة في القضاء.[304] بحلول عام 1900، شكلَّت الشركات المملوكة للأرمن ما يقرب من ثلث شركات النفط العاملة في المنطقة.[304] تمكن الأرمن من إعادة تأسيس مجتمع كبير وحيوي في باكو خلال حقبة جمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفيتية تكون من المهنيين المهرة والحرفيين والمثقفين المندمجين في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية لأذربيجان.[306]
تحوي أندونيسيا على واحدة من أكبر التجمعات المسيحية في العالم الإسلامي. على الرغم من أنَّ نسبة المسيحيين تبلغ 10% من مجموع سكان إندونيسيا، لكن تأثيرهم الاقتصادي ملحوظ ومشاركتهم السياسية آخذة في التزايد على خلفية تجارب سابقة لأحزاب مسيحية اندمجت ضمن أحزاب قومية كبيرة منذ عقود، وقد صُرح لحزبين مسيحيين بالنشاط السياسي وهما حزب السلام والإزهار وحزب حب الديمقراطية للمشاركة في الانتخابات التشريعية. ويعد المسيحيون المجموعة الدينيَّة الأكثر تعلمًا في إندونيسيا حيث وفقًا لدراسة قامت بها مركز بيو للأبحاث عام 2016 تحت اسم الدين والتعليم حول العالم حوالي 15% من المسيحيين في إندونيسيا حاصلين على تعليم عال ومن حملة الشهادات الجامعيَّة، بالمقارنة مع 12% من البوذيين وحوالي 9% من الهندوس وحوالي 7% من المُسلمين في إندونيسيا.[159]
على الرغم من أنَّ نسبة المسيحيين تبلغ 0.3% من مجموع سكان بنغلاديش، لكن تأثيرهم الاجتماعي ملحوظ ومشاركتهم في قطاع التعليموالصحة كبير.[308][309] يملك المجتمع المسيحي الصغير على حوالي 1,000 مدرسة وحوالي مائة مركز رعاية صحية ومستشفى. ويدير المجتمع المسيحي في بنغلاديش على أكبر بنك تعاوني في دكا. إن نسبة الحاصلين على تعليم عال في بنغلاديش في صفوف المسيحيين هي الأعلى مقارنة مع بقية الطوائف والجماعات الدينية في البلاد.[159] كانت المجتمعات المسيحية الباكستانية الأكثر ثراءً تتكون من الأنجلو-الهنود والكاثوليك الغوان، والذين عاشوا في وقت الاستقلال في المدن الكبرى خصوصاً في مدينة كراتشي، وكانوا يتقنون اللغة الإنجليزية، وحافظوا على سلوكيات ثقافية بريطانية ترتبط بالطبقة العليا ولعبوا أدوراً هامة في الحياة الثقافية والفكرية للبلاد.[310] ويدرس في المدارس المسيحيةوالكاثوليكية في البلاد، أبناء النخب الاجتماعية والسياسية ومن ضمنها النخب المسلمة، على سبيل المثال لا الحصر درست بينظير بوتو رئيسية وزراء باكستان في السابق في مدرسة دير يسوع ومريم الكاثوليكية في كراتشي.[311]الجمعة العظيمة هي أيضًا عطلة رسمية في ماليزيا الشرقية، لكنها ليست عطلة وطنيّة على مستوى البلاد، وتملك جميع الكنائس المسيحية في ماليزيا العديد من المدارس الثانوية العامة والجامعات والمستشفيات وغيرها من المؤسسات المسيحية، وتستقبل المدارس المسيحية طلاب مسيحيين وطلاب غير مُسلمين على حد سواء.
أفريقيا جنوب الصحراء
وجدت دراسة الدين والتعليم حول العالم قامت بها مركز بيو للأبحاث عام 2016 تفوق المسيحيون تعليميًا (مع متوسط سنوات دراسة 6.0 سنة) في مناطق أفريقيا جنوب الصحراء على المسلمين (مع متوسط سنوات دراسة 2.6 سنة)، [313] وعزا بعض علماء الاجتماع ذلك إلى جوانب تاريخية مثل الأنشطة التبشيرية المسيحية خلال فترات الاستعمار الغربي، ويشير روبرت د. ودبيري عالم اجتماع في جامعة بايلور أن المُبشرين البروتستانت في أفريقيا «كان لهم دور فريد في نشر التعليم الشامل» بسبب الأهمية الدينية لدراسة وقراءة الكتاب المقدس، حيث ترجم المُبشرون الكتاب المقدس للغات المحليَّة وأنشأوا المدارس لتعزيز معرفة القراءة والكتابة، [257] ويشير ناثان نان أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد أنَّ التعليم «هو المكافأة الرئيسية قبل المبشرين لجذب الأفارقة للمسيحية». كما وشجع المبشرون البروتستانت على تعليم المرأة ومحو الأمية بين النساء.[257]
كان للمسيحيين تأثير اجتماعي وسياسي وتعليمي على الحياة في دول أفريقية جنوب الصحراء ذات الأغلبية المسلمة مثل تشادوماليوسيراليونونيجيرياوالسنغال.[314] ويُسيطر المسيحيون على زمام السلطة ومفاصل الاقتصاد والثروة في عدد من هذه الدول، حيث ساهم الاستعمار الفرنسي البريطاني بتمكين ذلك بشكل كبير على ذلك، حيث ركز منذ مجيئه للمنطقة على تكوين وتأهيل واحتواء المجموعات المسيحية التي استفادت كثيراً من مطامع السلطة ومكاسبها بعد استقلال البلاد حيث كان المسيحيون هم الأكثر تعليماً وتكويناً.[314] ونشرت البعثات التبشيريّة الحضارة الغربية، والنموذج الأوروبيّ للتنمية. وانتشرت المدارس المسيحية والتي اعتمدت مناهج تعليميّة في اللغة الفرنسية والإنجليزية.[314]
المراجع
^Nadim (al-)، Abū al-Faraj Muḥammad ibn Isḥāq (1970). بيار ضودج، Bayard (المحرر). The Fihrist of al-Nadim; a Tenth-Century Survey of Muslim Culture. ترجمة: Bayard Dodge. New York & London: Columbia University Press. ص. 440, 589, 1071.
^ ابMichael Nazir-Ali. Islam, a Christian perspective, Westminster John Knox Press, 1983, p. 66
^ ابجدPacini، Andrea (1998). Christian Communities in the Arab Middle East: The Challenge of the Future. Clarendon Press. ص. 38, 55. ISBN:978-0-19-829388-0.
^ ابFerguson, Kitty Pythagoras: His Lives and the Legacy of a Rational Universe Walker Publishing Company, New York, 2008, (page number not available – occurs toward end of Chapter 13, "The Wrap-up of Antiquity"). "It was in the Near and Middle East and North Africa that the old traditions of teaching and learning continued, and where Christian scholars were carefully preserving ancient texts and knowledge of the ancient Greek language." نسخة محفوظة 2022-01-22 على موقع واي باك مشين.
^ ابجد"History of Greece, Ottoman Empire, The merchant middle class". Encyclopædia Britannica. United States: Encyclopædia Britannica Inc. 2008. Online Edition.
^Ignacio Arche (2009): Hallabat: Castellum, coenobium, praetorium, qaṣr. The construction of a palatine architecture under the Umayyads I. In: Bartl and Moaz, 2009, pp. 153–182
^جان سوفاجيه (1939): Remarques sur les monuments omeyyades. Chateaux de Syrie. I. Journal Asiatique, pp. 1–59
^Sanz، A. (2018). Historical and Structural Aspects of the Mudéjar Architecture of the Spanish City of Guadalajara. In 10th International Symposium on the Conservation of Monuments in the Mediterranean Basin. Springer International Publishing. ص. 415–423.
^Squatriti، Paolo (2002). Water and Society in Early Medieval Italy, AD 400-1000, Parti 400-1000. Cambridge University Press. ص. 54. ISBN:9780521522069. ... but baths were normally considered therapeutic until the days of Gregory the Great, who understood virtuous bathing to be bathing "on account of the needs of body"...
^Mordtmann، J.H.؛ Fehérvári، G. (2012). "Iznīḳ". في Bearman، P.؛ Bianquis، Th.؛ Bosworth، C.E.؛ van Donzel، E.؛ Heinrichs، W.P. (المحررون). Encyclopaedia of Islam, Second Edition. Brill.
^Sibley، Magda؛ Fodil Fadli (2009). "Hammams in North Africa: An Architectural Study of Sustainability Concepts in a Historical Traditional Building". 26th Conference on Passive and Low Energy Architecture.
^Barragán، Juan José (2015). Alfambra en la Edad Media y Moderna. Una visión de su historia y su arte a través del conjunto mural de la Ermita de Santa Ana. Sarrión: Muñoz Moya Editores. ISBN:978-84-8010-264-3.
^Jones, Dalu & Michell, George, (eds); The Arts of Islam, Arts Council of Great Britain, 1976, (ردمك 0-7287-0081-6). pp. 147–150, and exhibits following
^ ابهيو توماس، An Unfinished History of the World, 224-226, 2nd edn. 1981, Pan Books, (ردمك 0-330-26458-3); فرنان بروديل، Civilization & Capitalism, 15-18th Centuries, Vol 1: The Structures of Everyday Life, William Collins & Sons, London 1981, p. 440
^Daniela Meneghini, “Saljuqs: Saljuqid Literature” in Encyclopedia Iranica
^ ابThomas W. Arnold. Painting in Islam: a study of the place of pictorial art in Muslim culture, Gorgias Press LLC, 2004, p. 58
^سمير عبده، دور المسيحيين في الحضارة العربية الإسلامية (دمشق: دار حسن ملص، ط1 2005)، ص. 71
^ ابجThe Art of medieval Spain, A.D. 500-1200. New York: The Metropolitan Museum of Art. 1993. ISBN:0870996851.
^Edwards، A. Cecil (1975). The Persian carpet : a survey of the carpet-weaving industry of Persia (ط. Reprinted 1952). London: Duckworth. ISBN:978-0715602560.
^J. Bloom & S. Blair (2009). Grove Encyclopedia of Islamic Art. New York: Oxford University Press, Inc. ص. 192 and 207. ISBN:978-0-19-530991-1.
^Kuban، Doğan (2010). Ottoman Architecture. Antique Collectors' Club.
^Bassin d'Arenberg, Washington, Freer Gallery of Art, F 1955.10 [archive].
^Brague, Rémi (15 أبريل 2009). The Legend of the Middle Ages. ص. 164. ISBN:9780226070803. {{استشهاد بكتاب}}: الوسيط |تاريخ الوصول بحاجة لـ |مسار= (مساعدة)
^Malone, Dumas، المحرر (1935). "Robert, Rhineland Christopher". Dictionary of American Biography. New York: Charles Scribner's Sons. ج. 16 (Robert-Seward). ص. 1–2. اطلع عليه بتاريخ 2017-07-14 – عبر Internet Archive.
^فريدريك شريدر in: Robert College, Nord und Süd, November 1919, S. 165–169 (Article in German language)
^Bosworth، C.E. (2000). History of civilizations of Central Asia, Volume IV. Paris: UNESCO Publ. ص. 306. ISBN:92-3-103654-8. Comparable to al-Rāzi before him and to his own younger contemporary Ibn Sinā, al-Masihi represents the physician-philosopher of classical and Islamic tradition. From the point of view of religious history, it is also of interest that he was descended from Iranian Christians and held, albeit discreetly, to his faith.
^Al-Ghazal، Sharif (2004). "none". Journal of the International Society for the History of Islamic Medicine. ج. 3: 12–13.
^Angold, Michael (2006). The Cambridge History of Christianity: Volume 5, Eastern Christianity (بالإنجليزية). Cambridge University Press. Vol. 5. p. 375. ISBN:978-0-521-81113-2.
^مُحيي الدين صفيُّ الدين، الوضعُ الدينيّ لِنصارى الأندلُس على عهد الدولة الأُمويَّة (138- 422هـ/ 756- 1031م).- دورية كان التاريخية.- العدد الثامن عشر؛ ديسمبر 2012. ص 43 – 46.
^لسان الدين بن الخطيب، الإحاطة في أخبار غرناطة، (تحقيق محمد عبد الله عنان)، مكتبة الخانجي، القاهرة، ج 1، ص. 106- 107، 109
^ابن رشد: فتاوى ابن رشد، س (3)،تقديم وتحقيق د .المختار بن الطاهر التليلي دار الغرب الإسلامي، لبنان، ط الأولى 1987 ص 1619
^ابن قيم الجوزية: أحكام أهل الذمة ج (2)، حققه وعلق حواشيه طه عبد الرؤوف سعد منشورات محمد علي بيضون.159 - 2002 ص 158 (دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط( 2
^Bat Ye'or (1996). The decline of Eastern Christianity under Islam: from Jihad to Dhimmitude: seventh-twentieth century. Madison, NJ: Fairleigh Dickinson University Press. ISBN:0-8386-3678-0.
^Katō، Hiroshi (2011). Islam in the Middle Eastern Studies: Muslims and Minorities. University of California Press. ص. 133. ISBN:9784901838023. The Mamluk era, in which many Dhimmīs were forced to convert to Islam, was a time of great turbulence in society.
^Naiem، Girgis (2018). Egypt's Identities in Conflict: The Political and Religious Landscape of Copts and Muslims. McFarland. ص. 69. ISBN:9781476671208.
^Morgan، Robert (2016). History of the Coptic Orthodox People and the Church of Egypt. FriesenPress. ص. 342. ISBN:9781460280270.
^Documentation Center، Middle East (2006). Mamlūk Studies Review. University of Chicago. ص. 73. ISBN:9781460280270.
^ ابجSushil Chaudhuri and Kéram Kévonian eds., Les Arméniens dans le commerce asiatique au début de l’ere moderne [Armenians in Asian trade in the Early Modern Era], (Paris, 2007).
^"Hürrem, Sultan - Oxford Reference". The Oxford Encyclopedia of Women in World History. Oxford University Press. 2008. مؤرشف من الأصل في 2019-05-11. اطلع عليه بتاريخ 2017-05-29. {{استشهاد بموسوعة}}: الوسيط غير المعروف |المحررين= تم تجاهله (مساعدة)
^Arbel, Benjamin, Nur Banu (c. 1530-1583): A Venetian Sultana?, Turcica, 24 (1992), pp. 241-259.
^Peirce، Leslie P. (1993). The Imperial Harem: Women and Sovereignty in the Ottoman Empire. New York: Oxford University Press, Inc. ص. 308n2. ISBN:0-19-507673-7. The identities of Nurbanu Sultan and her daughter-in-law Safiye Sultan are often confused.
^A.H. de Groot (1993). s.v. Murad IV in The Encyclopaedia of Islam vol. VII. Brill. ص. 597. ISBN:90-04-07026-5. Kosem [qv] Mahpeyker, a woman of Greek origin (Anastasia, 1585–1651)
^Pinson، Mark (1996). The Muslims of Bosnia-Herzegovina: their historic development from the Middle Ages to the dissolution of Yugoslavia. Harvard CMES. ص. 33. ISBN:9780932885128.
^Turan، Ebru (2009). "The Marriage of Ibrahim Pasha (ca. 1495-1536): The Rise of Sultan Süleyman's Favorite to the Grand Vizierate and the Politics of the Elites in the Early Sixteenth-Century Ottoman Empire". Turcica. ج. 41: 6–9.
^Turan، Ebru (2009). "The Marriage of Ibrahim Pasha (ca. 1495-1536): The Rise of Sultan Süleyman's Favorite to the Grand Vizierate and the Politics of the Elites in the Early Sixteenth-Century Ottoman Empire". Turcica. ج. 41.
^Harrison 2002، صفحات 276–277: "The Greeks belonged to the community of the Orthodox subjects of the Sultan. But within that larger unity they formed a self-conscious group marked off from their fellow Orthodox by language and culture and by a tradition of education never entirely interrupted, which maintained their Greek identity."
^Kakavas 2002، صفحة 29: "All the peoples belonging to the flock of the Ecumenical Patriarchate declared themselves Graikoi (Greeks) or Romaioi (Romans - Rums)."
^"Phanariote". Encyclopædia Britannica. United States: Encyclopædia Britannica Inc. 2016. Online Edition. مؤرشف من الأصل في 2019-10-23.
^Issawi, Charles, The Economic History of the Middle East and North Africa, Columbia University Press 1984
^Continuity and Change in Nineteenth-Century Istanbul:Sultan Abdulaziz and the Beylerbeyi Palace, Filiz Yenisehirlioglu, Islamic Art in the 19th Century: Tradition, Innovation, And Eclecticism, 65.
^Ortaylı, İlber. Son İmparatorluk Osmanlı (The Last Empire: Ottoman Empire), İstanbul, Timaş Yayınları (Timaş Press), 2006. pp. 87-89. ISBN 975-263-490-7 (the book is in Turkish)
^Bosworth, C.E. (2012). "Tard̲j̲umān". في P. Bearman؛ Th. Bianquis؛ C.E. Bosworth؛ E. van Donzel؛ W.P. Heinrichs (المحررون). Encyclopaedia of Islam (ط. 2nd). Brill. DOI:10.1163/1573-3912_islam_COM_1179.
^Bozdogan، Sibel (2001). Modernism and Nation Building: Turkish Architectural Culture in the Early Republic. Seattle and London: University of Washington Press. ISBN:978-0-295-98152-9.
^ ابDeeb، Marius (2013). Syria, Iran, and Hezbollah: The Unholy Alliance and Its War on Lebanon. Hoover Press. ISBN:9780817916664. the Maronites and the Druze, who founded Lebanon in the early eighteenth century.
^ ابجدBoueiz Kanaan، Claude. Lebanon 1860-1960: A Century of Myth and Politics. la University of Michigan. ص. 127.
^van Mol، Mark (2003). Variation in Modern Standard Arabic in Radio News Broadcasts: A Synchronic Descriptive Investigation Into the Use of Complementary Particles. Leuven: Peeters Publishers. ص. 25–27. ISBN:9789042911581. {{استشهاد بكتاب}}: الوسيط |تاريخ الوصول بحاجة لـ |مسار= (مساعدة)
^ ابجدHasan، S. S. (1992). Christians versus Muslims in Modern Egypt: The Century-Long Struggle for Coptic Equality. Oxford University Press. ISBN:9780199881406.
^M. Farag، Lois (2013). The Coptic Christian Heritage: History, Faith and Culture. Routledge. ص. 83. ISBN:9781134666843. Coptic middle class. The Copts, who were 7 percent of the population in the nineteenth century, still played the major role in managing Egypt's state finances. They held 20 percent of total state capital, 45 percent of government employment salaries ...
^B. Rugh، Andrea (2006). Christians in Egypt: Strategies and Survival. Springer. ISBN:9781137566133. Episcopalians were assumed to be upper class, the Evangelicals educated middle and upper-middle class
^Gray، Phillip (2005). Deconstructing Global Citizenship: Political, Cultural, and Ethical Perspectives. Lexington Books. ص. 188. ISBN:9781498502597. The socioeconomic position of Copts varies from billionaire tycoons like the Sawiris family to encampments of zabbaleen ...
^Deeb, Mary Jane. "Religious minorities" Algeria (Country Study). Federal Research Division, Library of Congress; Helen Chapan Metz, ed. December 1993. This article incorporates text from this source, which is in the ملكية عامة.[1]نسخة محفوظة 03 يوليو 2015 على موقع واي باك مشين.
^Scott، edited by Anthony (2003). Good and faithful servant : stewardship in the Orthodox Church. Crestwood (N.Y.): St. Vladimir's seminary press. ص. 114–115. ISBN:9780881412550. {{استشهاد بكتاب}}: |الأول= باسم عام (مساعدة) والوسيط |تاريخ الوصول بحاجة لـ |مسار= (مساعدة)
^Torel، Rafael؛ Benkohen، Edmon؛ Tugay، Mehmet Selim؛ Tugay، Emine Çiğdem؛ Danacıoğlu، Esra (2003). Or-Ahayim Hospital: A Century of Love and Compassion. Balat Or-Ahayim Jewish Hospital Foundation. ص. 247.
^Kilic, Ecevit (7 Sep 2008). "Sermaye nasıl el değiştirdi?". Sabah (بالتركية). Archived from the original on 2017-03-12. Retrieved 2008-12-25. 6-7 Eylül olaylarından önce İstanbul'da 135 bin Rum yaşıyordu. Sonrasında bu sayı 70 bine düştü. 1978'e gelindiğinde bu rakam 7 bindi.
^Karimova Nigar, Deverell Edward. "Minorities in Turkey"(PDF). The Swedish Institute of International Affairs. ص. 7. مؤرشف من الأصل(PDF) في 2016-05-28{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: postscript (link)
^Elsie، Robert (2001). A Dictionary of Albanian Religion, Mythology and Folk Culture. London: Hurst & Company. ISBN:1-85065-570-7.
^Malcolm, Noel (1998). ‘’Kosovo: a short history’’. Page 162.
^The Ukrainian Quarterly. Ukrainian Congress Committee of America. 1992. ص. 440. This resistance, led by George Castriota Scanderbeg, brought Albanians of various regions, speaking different dialects, together in a common struggle against foreign aggression. This struggle helped define the ethnic identity of the Albanians.